الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَوْرَدَ الْمُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ} [البقرة: ٢٨٢] الْآيَةَ وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهَا مُبِيحَةٌ وَتِلْكَ مَانِعَةٌ، وَالتَّقْدِيمُ لِلْمَانِعِ، وَجْهُ هَذَا الِاشْتِرَاطِ أَنَّهُ - تَعَالَى - يُحِبُّ السَّتْرَ عَلَى عِبَادِهِ، وَأَوْعَدَ بِالْعَذَابِ لِمَنْ أَحَبَّ إشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَفِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ وَوَصْفِ الذُّكُورَةِ تَحْقِيقُ مَعْنَى السَّتْرِ.
(وَ) شُرِطَ (لِلْقِصَاصِ وَبَقِيَّةِ الْحُدُودِ) وَكَذَا لِإِسْلَامِ كَافِرٍ ذَكَرٍ، وَرِدَّةِ مُسْلِمٍ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ (رَجُلَانِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢] فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ لِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ لَا شَهَادَةَ لِلنِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَلِشُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ شَهَادَتِهِمْ، وَالْحَالُ أَنَّ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ.
(وَ) شُرِطَتْ (لِلْوِلَادَةِ، وَالْبَكَارَةِ، وَعُيُوبِ النِّسَاءِ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ امْرَأَةٌ) حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ» وَالْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ فَيَتَنَاوَلُ الْأَقَلَّ، وَهُوَ الْوَاحِدُ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ مَقَامُ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَعَلَى مَالِكٍ فِي اشْتِرَاطِ امْرَأَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ اعْتِبَارُ الذُّكُورَةِ بَقِيَ الْعَدَدُ مُعْتَبَرًا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ شَهِدَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَالَ: تَعَمَّدْتُ النَّظَرَ أَمَّا إذَا شَهِدَ بِالْوِلَادَةِ، وَقَالَ: فَاجَأْتُهَا فَاتَّفَقَ نَظَرِي عَلَيْهَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ هَذَا إذَا تَأَيَّدَتْ الشَّهَادَةُ بِالْأَصْلِ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ: هِيَ بِكْرٌ يُؤَجِّلُ الْقَاضِي فِي الْعِنِّينِ سَنَةً لِأَنَّ شَهَادَتَهَا تَأَيَّدَتْ بِالْأَصْلِ هُوَ الْبَكَارَةُ، وَلَوْ قَالَتْ: هِيَ ثَيِّبٌ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهَا تَجَرَّدَتْ عَنْ الْمُؤَيِّدِ، وَكَذَا فِي رَدِّ الْمَبِيعِ إذْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْبَكَارَةِ فَإِنْ قُلْنَ: إنَّهَا ثَيِّبٌ يُحَلَّفُ الْبَائِعُ لِيَنْضَمَّ نُكُولُهُ إلَى قَوْلِهِنَّ، وَالْعَيْبُ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِنَّ فَيُحَلَّفُ الْبَائِعُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ قُلْتَ لَوْ ثَبَتَ الْعَيْبُ بِقَوْلِهِنَّ لَا يُحَلَّفُ الْبَائِعُ بَلْ تُرَدُّ عَلَيْهِ الْجَارِيَةُ، فَكَيْفَ يَكُونُ تَحْلِيفُ الْبَائِعِ نَتِيجَةً لِثُبُوتِ الْعَيْبِ وَثُبُوتُ الْعَيْبِ إنَّمَا هُوَ مُثْبِتٌ لِلرَّدِّ لَا لِلتَّحْلِيفِ؟
قُلْتُ مَعْنَاهُ الْعَيْبُ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِنَّ فِي حَقِّ سَمَاعِ الدَّعْوَى وَحَقِّ التَّحْلِيفِ حَتَّى إنَّهُنَّ لَوْ لَمْ يَقُلْنَ: إنَّهَا ثَيِّبٌ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي وِلَايَةُ التَّحْلِيفِ.
(وَكَذَا) شَرْطُ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ (لِاسْتِهْلَالِ الْمَوْلُودِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ) عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ (لَا) فِي حَقِّ (الْإِرْثِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ (وَعِنْدَهُمَا فِي حَقِّ الْإِرْثِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا لَهُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ صَوَّتَ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَلَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ عَادَةً، فَصَارَ كَشَهَادَتِهِنَّ عَلَى نَفْسِ الْوِلَادَةِ وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَهُوَ أَرْجَحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(وَ) شُرِطَ (لِغَيْرِ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ (رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ؛ وَامْرَأَتَانِ مَالًا كَانَ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute