هذا المقطع يتضمن ثلاث مسائل: المسألة الأولى: تعريف العبادة، والمسألة الثانية: الأمثلة، والمسألة الثالثة: الأهمية.
فالمسألة الأولى: تعريف العبادة، جاء في قوله: العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، وهذا التعريف من أدق التعاريف في العبادة، وهذا يذكرنا بكلام ابن القيم رحمه الله الذي فيه أن العلماء كلامهم قليل لكنه كثير البركة، بينما كلام المتأخرين كثير لكنه قليل البركة، وانظروا إلى هذه البركة العجيبة في سطر واحد، فقد استطاع أن يشمل قضية من أوسع القضايا في حياة الإنسان، فقوله: اسم جامع له دلالة كبيرة جداً، وهو أن العبادة مع الإنسان في كل وقت وفي كل حال.
ولهذا نلاحظ الشمول في العبادة في أمرين: الأمر الأول: فيما أمر الله عز وجل به، والأمر الثاني: في نشاط الإنسان الظاهر والباطن.
فالعبادة إذاً لها جانبان: الجانب الأول: ما أمر الله به، فالعبادة تشمل كل الواجبات وكل المستحبات، يعني: إذا نظرنا إلى الأحكام الشرعية فإن علماء الأصول يقسمون الأحكام الشرعية إلى قسمين: أحكام تكليفية وأحكام وضعية، الأحكام التكليفية هي الأحكام التي يترتب عليها الثواب والعقاب في فعل الإنسان، والأحكام الوضعية، هي الأحكام التي وضعت على شكل علامات في التعبدات المختلفة.
فأما الأحكام التكليفية فهي خمسة: الواجب، والمستحب -وأحياناً يسمى المندوب- والمحرم، والمكروه، والمباح، والعبادة تتعلق بالنوعين الأولين: بالواجب والمستحب، فما يحبه الله عز وجل ينقسم إلى قسمين: ما أمر به على شكل الإلزام وهذا هو الواجب، أو أمر به على غير شكل الإلزام وهذا هو المستحب أو المندوب، وكل الواجبات داخلة في العبادة، وكل المستحبات داخلة في العبادة، سواءً التي تتعلق بشئون الإنسان الفردية، أو شئونه الاجتماعية، وسواءً التي تتعلق بعلم الإنسان أو عمله أو خلقه، فهي تشمل كل حياة الإنسان، ونلاحظ هذا الشمول في قول المصنف: من الأقوال والأعمال، فكل الأقوال سواءً أقوال الظاهر أو أقوال الباطن، وكل الأعمال سواءً أعمال الظاهر أو أعمال الباطن داخلة في حقيقة الإيمان، وداخلة في حقيقة العبودية، ولهذا نلاحظ أن العبودية شاملة للدين كله، وهذا ما سيأتي في الفقرة الجديدة من كلام ابن تيمية وهي علاقة العبودية بالدين.