قال: [وقد قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}[التوبة:٢٤]، فتوعد من كان أهله وماله أحب إليه من الله ورسوله والجهاد في سبيله بهذا الوعيد.
بل قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال:(والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين).
وفي الصحيح:(أن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله! والله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي.
فقال: لا يا عمر! حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال: فوالله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال: الآن يا عمر!).
فحقيقة المحبة لا تتم إلا بموالاة المحبوب، وهو موافقته في حب ما يحب وبغض ما يبغض، والله يحب الإيمان والتقوى، ويبغض الكفر والفسوق والعصيان.
ومعلوم أن الحب يحرك إرادة القلب، فكلما قويت المحبة في القلب طلب القلب فعل المحبوبات، فإذا كانت المحبة تامة استلزمت إرادة جازمة في حصول المحبوبات، فإذا كان العبد قادراً عليها حصلها، وإن كان عاجزاً عنها ففعل ما يقدر عليه من ذلك كان له كأجر الفاعل].
هذا تفسير وتحرير لإرادة الإنسان؛ لأن العمل الذي يكون في الظاهر يكون مبنياً على الإرادة القلبية والقدرة على العمل، فيقول ابن تيمية رحمه الله: إن المحبة هي المحرك الأساسي لإرادة القلب، فإذا تحرك القلب فإن إرادته تكون جازمة، وبناء على هذا يكون العمل الذي يريد فعله إن كان في مقدوره فعله، وإن لم يكن في مقدوره ولا يستطيع فعله، يكون له أجر كأجر فاعله.
قال: [كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً؛ ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً).
وقال:(إن في المدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر)].
أي: أن العذر العائق من العمل هو الذي حبسهم، وأما إرادة القلب فهي موجودة، ولهذا فقد حصلوا على الأجر.