[توجيه حديث: (احتج آدم وموسى)]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال بعض السلف: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم، وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد:٢٢ - ٢٣].
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (احتج آدم وموسى، فقال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فلماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فقال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، فهل وجدت ذلك مكتوباً عليّ قبل أن أخلق؟ قال: نعم.
قال: فحج آدم موسى).
هذا الحديث يعتبر حديثاً عظيماً في باب الاحتجاج بالقدر، وقد فهمه بعض الناس على غير وجهه.
والحديث هو أن موسى لقي آدم فاحتج عليه، قال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء.
فلماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ ومقصود موسى أنت عندما أكلت من الشجرة، كان أكلك من الشجرة سبباً في خروجنا من الجنة، ولو لم تأكل من الشجرة لبقينا نحن ذريتك في الجنة، هذا هو احتجاج موسى.
قال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، فهل وجدت ذلك مكتوباً عليّ قبل أن أخلق؟ قال: نعم.
قال: فحج آدم موسى، يعني: غلب آدم موسى؛ لأن موسى أنكر عليه الذنب بعد أن انتهى، وآدم بين له أن هذه مصيبة بالنسبة له.
هل الكلام بين آدم وموسى هذا قبل أن يأكل من الشجرة؟ وهل قال: يا موسى هذا أمر قدره الله عليّ أنا سآكل من الشجرة وسأنزل إلى الأرض؟ لو كان الأمر بهذه الصورة لكان احتجاج آدم غير صحيح، لكن الأمر مخالف لهذا الذنب الذي حصل، وندم آدم وتاب {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:٣٧] وأصبحت هذه مصيبة بالنسبة لآدم فجاء موسى واحتج عليه، فلما احتج آدم بالمصيبة دل هذا على أن الاحتجاج بالمصائب صحيح، أما الاحتجاج بالعيوب والذنوب فغير صحيح.
قال المؤلف رحمه الله: [وآدم عليه السلام لم يحتج على موسى بالقدر ظناً أن المذنب يحتج بالقدر، فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل، ولو كان هذا عذراً لكان عذراً لإبليس، وقومِ نوح، وقومِ هود وكل كافر، ولا موسى لام آدم أيضاً، لأجل الذنب، فإن آدم قد تاب إلى ربه فاجتباه وهداه، ولكن لامه لأجل المصيبة التي لحقتهم بالخطيئة].
إذاً: الموضوع كله يتعلق بالمصيبة، والمشكلة التي حصلت عند بعض الناس هو أن المسألة فيها ذنب والذنب هو أكل آدم من الشجرة، لكن الذي لم يتنبهوا له هو أن هذا الاحتجاج حصل بعد انتهاء الأكل، وبعد أن عوقب، فالمصيبة التي حصلت هي العقوبة؛ فموسى يلومه على هذه المصيبة، وآدم يحتج بالقدر على هذه المصيبة.
إذاً: إذا سألك سائل: ما هو نوع الاحتجاج في حديث آدم وموسى؟ تقول: على المصائب.
والذي جعل الخوض موجوداً في المسألة هو وجود ذنب في هذه المسألة، وهو أكل آدم من الشجرة، لكن إذا تبين للإنسان أن هذا الاحتجاج حصل بعد الأكل، وبعد العقوبة وبعد التوبة، عرف أن المقصود بها المصيبة.
قال: [ولهذا قال له: فلماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فأجابه آدم: إن هذا كان مكتوباً عليّ قبل أن أخلق.
فكان العمل والمصيبة المترتبة عليه مقدراً وما قدر من المصائب يجب الاستسلام له فإنه من تمام الرضا بالله رَبَّاً].
يعني بعد حصولها، لكن قبل حصولها يدافع القدر بالقدر، أما بعد حصولها وبعد أن ابتلي الإنسان بها فإنه حينئذٍ يرضى ويسلم بها.
قال: [وأما الذنوب فليس للعبد أن يذنب، وإذا أذنب فعليه أن يستغفر ويتوب، فيتوب من المعائب ويصبر على المصائب قال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [غافر:٥٥]].
فجمع بين الصبر والاستغفار، فالصبر على المصائب، والاستغفار من المعائب.
قال: [وقال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران:١٢٠]].
الصبر على المصائب، والتقوى تكون من المعائب.
قال: [وقال: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [آل عمران:١٨٦] وقال يوسف عليه السلام: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:٩٠]].
يعني: الذنوب إذا كانت فردية فالإنسان يستغفر منها، وإذا كانت ذنوب العباد الآخرين فإنه يحتسب عليها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.