[نظرة في الدعوة إلى فقه التيسير]
السؤال
ما هو رأيكم فيما يدعو إليه البعض من أنصاف العلماء في هذه الأيام من فقه التيسير، وبحسب زعمهم يكون هذا الفقه متكيفاً مع المتغيرات التي تعيشها الحياة الحديثة من التطور والتقدم في جميع الميادين العلمية والإعلامية، فكان من نتاج ذلك أنهم أباحوا للمرأة التمثيل وذلك بضوابط شرعية كما يزعمون فنرجو توضيح هذه المسألة؟
الجواب
لا شك في أن الانحراف يقع عند كثير من الناس لعدة أسباب، فقد يقع الإنسان في الانحراف بسبب اتباع الهوى، أو بسبب الجهل، أو بسبب التعصب، أو بسبب الشعور بالانهزامية أمام المجتمعات الأخرى؛ فأمثال هؤلاء يشعرون بأنهم منهزمون أمام العالم المتطور، وأمام العالم المتحضر، وقد ابتلينا في هذه الأزمان بطائفتين انهزمتا أمام العالم الغربي المتطور المتحضر: فطائفة تركت الدين، وقالت: إن الأصلح للناس حتى يصلوا إلى التطور، ويصلوا إلى التحضر، وتنمو حياتهم، ويكونوا على مستوى راق ومتحضر هو أن يشابهوا العالم الغربي في حركاته وسكناته وتصرفاته، ويأخذوا ما عنده من حق وباطل، وصحيح وفاسد، وإن العالم الغربي ما صار متحضراً إلا عندما ترك الدين وأعرض عنه، وبناء على هذا تقول هذه الطائفة: لا بد من ترك هذا الدين، ويصفون هذا الدين بأنه يقيد حريات الأشخاص، أو يقولون: إن هذه خرافات وخزعبلات وأساطير، ونحو ذلك من العبارات التي يعبرون بها، وهذه الطائفة هم العلمانيون ممن ينتسب إلى المسلمين.
وهناك طائفة ثانية ليسوا من العلمانين، ولا يريدون ترك الدين، وإنما هم دعاة إلى الدين، فهذه الطائفة الثانية المنهزمة أمام الحياة المعاصرة طائفة أصحابها يدعون إلى الله عز وجل، وربما صبروا في دعوتهم، واجتهدوا في الإصلاح، لكن رأوا أنه لابد من أن نعايش العالم، وأن التغيير الجذري للحياة غير ممكن، فهم يقولون: إن العالم الغربي اليوم هو المسيطر على الأرض كلها سياسياً، وإعلامياً، واقتصادياً ومن كل النواحي تقريباً، وبناء على هذا يقولون: الخير لدعوتنا حتى يكون لها رواج عند الناس هو أن نحاول أن نقرِّب بين الدين وبين متطلبات العصر والواقع الذي نعيش فيه.
فنشأ عند هؤلاء ما يسمى بفقه التيسير، فيقول أصحاب هذا الفقه: نحن في عصر الإعلام، والتقنية الإعلامية فيه تقنية فائقة جداً، ولها وضع خاص جداً، فنحن -الدعاة إلى الله عز وجل- إذا قلنا: إن ظهور المرأة على شاشات الإعلام لا يجوز، والتمثيليات التي تظهر فيها نساء لا تجوز، والموسيقى لا تجوز، فماذا يبقى في الإعلام؟! ثم يأتي مثل هؤلاء المنتسبين إلى العلم والدعوة فيقولون: لماذا لا نسهِّل على الناس ونيسر على الناس؟! فالموسيقى جائزة، والدليل على هذا إفتاء الإمام ابن حزم رحمه الله بجواز الاستماع إلى الغناء؛ فأحلوا الموسيقى.
أما بالنسبة للمرأة فهناك أقوال لأهل العلم يفتون فيها بكشف الوجه واليدين، فيجوز -إذاً- للمرأة أن تكشف وجهها ويديها في الشارع، وعند غير محارمها، لأن الحجاب المقصود به تغطية الرأس وبقية البدن، وما دام أن هذا هو الحجاب الشرعي فلا يمنع أن تظهر المرأة في الإعلام وهي مغطية شعرها وتكون كاشفة وجهها، لكن بشرط أن تبتعد عن الفتنة، وحينئذ يتورطون في عدة إشكالات يقعون فيها: الإشكال الأول: أين تتعلم هؤلاء الممثلات الإسلاميات الجدد؟! فليس هناك إلا المعاهد القديمة التي فيها الممثلات السيئات.
الإشكال الثاني: أن التمثيل يحتاج فيه إلى الضحك في بعض الأحيان، وإلى بكاء في بعض الأحيان، وإلى ملاطفة في بعض الأحيان، فهل يجوز للمرأة في الإعلام الإسلامي الجديد أن تضحك وتأتي بما يسمى بالنكتة اليوم؟! إذاً: دعوتم إلى الفتنة بطريقة غير مباشرة.
فإن قالوا: لكن التمثيليات الدرامية -أي: الجادة- لا بد من أن يكون فيها عنصر المرأة، وإغفال دور المرأة خطأ.
قلنا: التمثيليات الكوميدية التي فيها ضحك ونكت لا تجوز على قولكم، فعلى أي أساس كانت هذه حراماً وهذه حلالاً؟! فمثل هؤلاء الذين يدعون إلى فقه التيسير سيجرهم فقه التيسير إلى مخالفات شرعية وتبديل لكثير من الأحكام الشرعية.
ومن ذلك أننا في العالم الإسلامي عندنا أقليات غير مسلمة حيث يوجد نصارى، ويوجد بوذيون، ويوجد أصحاب عقائد أخرى، ومن المعلوم في الحكم الشرعي الصحيح أن هؤلاء يكونون تحت حماية المسلمين، لكن بشروط: أولاً: يدفعون الجزية عن يد وهم صاغرون، وهذا هو الموجود في كتب الفقه، وهو الموجود في حياة المسلمين قديماً.
ثانياً: لا يدعون إلى مذاهبهم وآرائهم وأفكارهم، بحيث ينصّرون أحداً من المسلمين، أو يهودونه، أو يجعلونه بوذياً أو نحو ذلك.
فقالوا: إذا عملنا بهذا الأسلوب ضيقنا على الناس، وفقه التيسير يقتضي أن نترك لهم نفساً، فنترك لهم حرية للدعوة، ونتنازل عن المبلغ المالي الذي سماه الله سبحانه وتعالى الجزية، وهكذا، ثم تأتي عدة مسائل أخرى يتورطون فيها، وحينئذ يلغون الأحكام الفقهية الشرعية الأساسية كلها بحجة التنازل للواقع المعاصر الذي يجب أن نعيش فيه.
وهذه مشكلة، ونحن نقول: إن الدعوة إلى الل