أما المعتزلة فهم القدرية، حيث نفوا القدر، وقالوا: إن الله عز وجل لم يكتب شيئاً عن العباد، وإنما الأمر مستحدث، والعبد يفعل الفعل وهو غير مكتوب عليه سابقاً، ويقولون: إن العبد يخلق فعل نفسه ويحذف فعل نفسه، وينفون أن يكون الله عز وجل كتب مقادير العباد قبل أن يخلق الناس، ويقولون: إن العبد هو الذي ينشئ فعل نفسه، ولهذا يعاقب عليه أو يثاب عليه، وأما أن يكتب عليه العمل ثم يعاقب ويثاب فهذا مستحيل في أذهانهم وفكرهم، فقابلتهم طائفة أخرى على الضد والعكس -وهم الجبرية- فقالوا: العبد مثل الريشة في مهب الريح، فلا شيء له من الأفعال، وأفعاله كلها مخلوقة لله سبحانه وتعالى، وهو غير مسئول عن أي عمل من الأعمال.
والحق وسط، وهو أن يقال: إن الله سبحانه وتعالى كتب مقادير العباد قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وإن العبد قبل أن يولد ويخرج من بطن أمه إلى هذه الدنيا مكتوب عليه أنه شقي أو سعيد، وهذا أمر مقرر في القرآن والسنة بشكل واضح، وكذلك نؤمن بأن العبد له إرادة وله اختيار، والمكتوب هو ما علمه الله سبحانه وتعالى مما سيفعله العبد قبل أن يفعله، فإن الله يعلم ما سيفعله العبد قبل أن يفعل الفعل، فكتب الله عز وجل ما علم من فعل العبد واختياره قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ثم العبد إذا جاء وقت الفعل سيختار، فإذا اختار لن يختار إلا ما علمه الله سابقاً، لكن هل علم الله السابق لاختيار العبد جبر له؟! ليس جبراً، وإنما هو علم؛ لأن الله عز وجل علمه ليس كعلم الآدميين، فعلمه ليس كعلمي وعلمك، وإنما هو - سبحانه وتعالى - يعلم كل شيء، وعلمه محيط بكل شيء، فالمكتوب هو علم الله سبحانه وتعالى بما سيختاره العبد، وأفعال العبد مرتبطة بإرادته، فإن حقيقة الفعل تكون بإرادة من الإنسان مع القدرة على العمل، فإذا وجد الهم من العبد نفسه والقدرة نتج الفعل مباشرة، فالفعل نتيجة للإرادة ونتيجة للقدرة، وهذه الإرادة والقدرة خلقها الله سبحانه وتعالى، فإن الإنسان لا يقدر على شيء، والله عز وجل يخلق فيه القدرة والإرادة، فهو سبحانه وتعالى خالق لفعل العبد على الحقيقة، ونحن - أهل السنة - نؤمن بأمرين: كتابة الله عز وجل لشقاوة الإنسان وسعادته قبل أن يولد، والأمر الثاني: إرادة العبد واختياره، وهو أمر يشعر به الإنسان في حياته.
أما أهل البدع فإن بعضهم ضل في الأمر الأول، وبعضهم ضل في الأمر الثاني.