[أدلة من يجعلون الذكر بالاسم المفرد ذكر الخاصة والرد عليهم]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واحتجاج بعضهم على ذلك بقوله: {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام:٩١]].
يعني: أخذوا من قوله: {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام:٩١] أن الله أمر أن يقول الإنسان: الله.
نقول: هذا استدلال في غير سياقه؛ لأن الآية لها سبق, يعني: هناك استفهام سابق, والجواب عليه هو الله, وهو جواب على سؤال وليس ذكراً, أيضاً ليس فيه ترديد, وليس فيه تكرار, ليس فيه قل: الله الله الله الله الله كما يفعلون هم.
فهو استدلال لا قيمة له, وهكذا يستدل دائماً أهل البدع, فهم يأتون بالنصوص الشرعية ويوظفونها في غير سياقها.
ونحن لو لاحظنا أحد العوام يأخذ من كلام مخلوق من المخلوقين بعض الجمل ويوظفها في غير سياقها, لاتهمناه بالعته والسفه والسخف والحمق, يعني: لو أن إنساناً مزح على إنسان وقال له كلمة، ثم وظفها شخص آخر في غير سياقها, لقال الناس: هذا مجنون.
فمثلاً: لو أن شخصاً تكلم مع شخص آخر ومزح معه بأي مزحة في اسمه أو في شخصه, ثم في يوم من الأيام اختصما فجاء هذا الشخص أمام الذين يصلحون بينهما وقال: هذا في يوم من الأيام قال لي كذا وكذا, ويأتي بالكلام الذي في المزاح ويجعله في سياق الجد, لتكلم عليه الناس وذموه وعابوه, وقالوا: إنه يفهم الأمور على غير وجهها, فكيف بكلام الله عز وجل يعمل به هكذا؟! قال: [واحتجاج بعضهم على ذلك بقوله: {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام:٩١] من أبين غلط هؤلاء, فإن الاسم (الله) مذكور في الأمر بجواب الاستفهام في الآية قبله، وهو قوله: {قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام:٩١].
أي: الله هو الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى، فالاسم (الله) مبتدأ، وخبره قد دل عليه الاستفهام، كما في نظائر ذلك؛ تقول: من جاره؟ فيقول: زيد.
وأما الاسم المفرد مظهراً أو مضمراً، فليس بكلام تام ولا جملة مفيدة، ولا يتعلق به إيمان ولا كفر، ولا أمر ولا نهي ولم يذكر ذلك أحد من سلف الأمة، ولا شرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعطي القلب بنفسه معرفة مفيدة، ولا حالاً نافعاً, وإنما يعطيه تصوراً مطلقاً لا يحكم عليه بنفي ولا إثبات.
فإن لم يقترن به من معرفة القلب وحاله ما يفيد بنفسه, وإلا لم يكن فيه فائدة, والشريعة إنما تشرع من الأذكار ما يفيد بنفسه لا ما تكون الفائدة حاصلة بغيره.
وقد وقع بعض من واظب على هذا الذكر في فنون من الإلحاد، وأنواع من الاتحاد, كما قد بسط في غير هذا الموضع.
وما يذكر عن بعض الشيوخ من أنه قال: أخاف أن أموت بين النفي والإثبات, حال لا يقتدى فيها بصاحبها].
يعني: هذه الكلمة تذكر عن بعض الشيوخ أنه كان لا يقول: لا إله إلا الله، فإذا قيل له: لماذا؟ قال: أخشى أن أقول: لا إله ثم أموت, فإذا مت أكون قد أتيت بالنفي ولم آت بالإثبات, فيأتي بكلمة (هو).
ولاشك أن جهل؛ لأن الإنسان لو افترضنا أنه قال: لا إله ثم مات لا يعاقب شرعاً؛ لأن هناك مانع من الموانع غير داخل في إرادته منعه من إتمام الجملة فكيف يترك ما أمر به الله وما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذكر الذي يزكي النفوس ويطيب القلوب إلى كلمات لا معنى لها، مثل: هو هو هو ونحو ذلك علماً أن عندنا من العلم الضروري ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع ذلك لأصحابه, ولم يعلم أصحابه ذلك.
[فإن في ذلك من الغلط ما لا خفاء به؛ إذ لو مات العبد في هذه الحال لم يمت إلا على ما قصده ونواه, إذ الأعمال بالنيات.
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتلقين الميت: (لا إله إلا الله).
وقال: (من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة).
ولو كان ما ذكره محذوراً لم يلقن الميت كلمة يخاف أن يموت في أثنائها موتاً غير محمود, بل كان يلقن ما اختار من ذكر الاسم المفرد.
والذكر بالاسم المضمر أو المفرد أبعد عن السنة، وأدخل في البدعة, وأقرب إلى ضلال الشيطان؛ فإن من قال: يا هو! يا هو! أو: هو هو ونحو ذلك، لم يكن الضمير عائداً إلا إلى ما يصوره قلبه, والقلب قد يهتدي وقد يضل].
يعني: ليس بالضرورة أنه إذا قال: يا هو! أنه يتصور الله عز وجل, فقد يرد في قلبه شيء، وقد يأتي الشيطان ويوسوس إليه بشيء، وحينئذ يتغير خاطره ويتجه إلى شيء آخر غير الله عز وجل.