وأهل البدع والضلالة انحرفوا في هذا الباب العظيم من أبواب العلم، وهو الإيمان بالقضاء والقدر، وصاروا فرقاً وطوائف متعددة، وصاروا على مناهج مختلفة، فنجد أن المرتبة الأولى -وهي مرتبة العلم- أنكرها أوائل القدرية، فأوائلهم أنكروا علم الله عز وجل بالأشياء، وقالوا: إن الأشياء لا يمكن أن يعلمها الله عز وجل قبل أن تقع! وإنما يعلمها الله سبحانه وتعالى بعد أن تقع فنفوا علم الله عز وجل بالأشياء قبل حصولها، وشبهوا علم الله سبحانه وتعالى بعلم المخلوق، وهؤلاء كفّرهم السلف الصالح رضوان الله عليهم، وانقرضت هذه الطائفة التي كانت تنفي علم الله سبحانه وتعالى بالأشياء قبل وقوعها.
ومرتبة الكتابة انحرفت فيها القدرية المعتزلة، فالقدرية -الذين هم المعتزلة- نفوا أن يكون الله عز وجل كتب هذه الأشياء، فإنهم أثبتوا أن الله عز وجل يعلم ما سيحصل للعباد قبل أن يفعلوه، لكنهم يقولون: لم يكتبه! والصحيح أنه تعالى كتب ذلك، بدليل الأحاديث الواردة في ذلك.
أما الإرادة فإنه لم توجد طائفة تنفي إرادة الله سبحانه وتعالى بالكلية، وإنما وجدت طائفة خلطت في فهمها لإرادة الله عز وجل، فنحن أهل السنة والجماعة نقول: إن لله عز وجل إرادتين: الإرادة الكونية التي هي بمعنى الخلق، فهذه يوجد بسببها بعض الأشياء التي لا يرضاها الله عز وجل ولا يحبها، ويوجد فيها أشياء يحبها ويرضاها.
وهناك إرادة شرعية، وهي بمعنى ما يحبه الله عز وجل، ولهذا أمر تعالى بالأوامر ونهى عن جملة من المنهيات، فنحن نؤمن بالإرادتين، أما المعتزلة فإنهم أنكروا الإرادة الأولى، وقالوا إن الله عز وجل لا يمكن أن يريد المعاصي.
وأما الأشاعرة فإنهم عكسوا، فنفوا الإرادة الشرعية، وأثبتوا الإرادة الكونية.