[معنى عبارة الشيخ الجيلاني في القدر]
أما عن معنى كلام الشيخ عبد القادر الجيلاني، فإنه يقول: (إن الكثير من الرجال إذا وصلوا إلى القضاء والقدر أمسكوا، إلا أنا، فإنه انفتحت لي فيه روزنة).
يعني: فتح الله عز وجل لي فيه طريقاً في العلم، فما هو هذا الطريق في العلم؟ يقول: (فنازعت أقدار الحق) يعني الله (بالحق) يعني بالدين (للحق) يعني: للعقيدة الصحيحة.
أي: نازعت أقدار الله عز وجل التي قدرها، أي: تعاطيتها أو تعاملت معها، كما قال الله عز وجل: {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ} [الطور:٢٣] وليس المعنى أنهم يتخاصمون، فهم في الجنة.
يقول: (فنازعت أقدار الحق) يعني: تعاطيت أقدار الله عز وجل، وفهمتها فهماً صحيحاً (فنازعت أقدار الحق بالحق للحق) وحينئذ يكون معنى كلامه أن الله عز وجل قدر مقادير كثيرة في الكون منها الخير ومنها الشر، ومنها الصحيح ومنها الفاسد، ومنها الإيمان ومنها الكفر، ومنها الطيب ومنها الخبيث، ومنها الحق ومنها الباطل، فيقول: أنا أخذت بالقدر، وهو الحق والإيمان، والصدق والإسلام، فنازعت الأقدار مثل الكفر والضلال والانحراف بالحق، وهو الإسلام والإيمان ونحو ذلك، وكلها قدر، فالإسلام قدر الله عز وجل وخلقه، وكذلك الكفر قدر، وكذلك الحق قدر، والباطل قدر، فيقول: أنا أخذت إرشاد الله عز وجل، فأخذت الإيمان -وهو من قدر الله- فنازعت به قدر الله عز وجل، وهذا ما أراده الله عز وجل، فالله عز وجل خلق هذه المخلوقات حتى يرى من يختار الخير عن طواعية ورغبة ويجتهد فيه وينازع القدر الباطل الذي خلقه الله عز وجل للابتلاء كما هو معلوم.
يقول: [والرجل] يعني: الرجل الحقيقي [من يكون منازعاً للقدر، لا من يكون موافقاً للقدر] فقوله: [من يكون منازعاً للقدر] يعني القدر الباطل، مثل الشر بأنواعه وصوره، ومثل الباطل، ومثل الانحراف، ومثل أي أمر من الأمور السيئة.
والمشكلة هي أن كثيراً من الجبرية في حقيقة حياتهم العملية ينازعون القدر بالقدر، فإذا جاء البرد -وهو من قدر الله- فإن الإنسان يستخدم قدر الله وهو -الدف- لرد قدر الله عز وجل، وهو البرد، وحين تكون حروب وفتن في البلدان يخرج منها أناس يبحثون عن الأمن، والحرب قدر؛ لأنهم يبحثون عن الأمور التي توافقهم، ولهذا تجد أن الإنسان مفطور على أخذ بعض أقدار الله عز وجل لينازع بها بعض أقدار الله المؤلمة، فهناك أقدار مؤلمة، مثل الحرب، ومثل المرض، ومثل الأذى بكل أنواعه، ونحو ذلك، وهذه لا يصح للإنسان أن يرضى بها، فإذا مرض لا يصح له أن يرضى، وإنما يداوي مرضه بالعلاج، وإذا جاءه الشيطان فإنه يعالجه بالقرآن فيدفعه عن نفسه.
إذاً: نحن نأخذ من قدر الله عز وجل ما نرد به قدر الله سبحانه وتعالى، نأخذ الإرادة الشرعية فنرد بها بعض الإرادة الكونية.
والله عز وجل خلق الخلق السيء للابتلاء، لكن الصوفية الذين تعلقوا بالإرادة الكونية وقالوا: إن العبرة هي بالإرادة الكونية حتى في الأقدار الطبيعية لا يردون تلك الأقدار، فتجد أحدهم يصبر على البرد، فعندما يأتيه برد لا يتغطى منه، وإذا جاءته الشمس يصبر عليها ويظن أن هذا تعبد؛ لأنه يقول هذا خلق الله، وعندما يأتيه حجر ساقط من سقف فإنه يصبر حتى يقع على رأسه، فتسيل دماؤه ويفرح بهذا، ويظن أنه بهذا قد حقق جهة من العبودية؛ لأن التعبد عنده هو شهود الخلق، وثمرة شهود الخلق هي التعامل مع المخلوقات بهذه الطريقة، وهي الصبر عليها وعدم مدافعتها.
وهذا لا شك في أنه اعتقاد فاسد وباطل، وتكفي هذه الإشارة لشرح كلام الشيخ عبد القادر.
نسأل الله عز وجل أن ينفعنا وإياكم بالعلم النافع والعمل الصالح.