وكان رحمه الله صاحب دعوة وجهاد، ويمكن أن نلخص جهود شيخ الإسلام ابن تيمية في الدعوة فيما يلي: أولاً: أنه قام بالرد على الفرق الضالة وجاهدها، فقد تحدى البطائحية الرفاعية، وهم طائفة من الصوفية يعتمدون على الشعوذة والسحر، وهذه الطائفة كانت تأتي أمام الناس وتظهر الخوارق الغريبة، مثل كون الإنسان منها يدخل السيف في جوفه ثم يخرجه، ومثل أن يأخذ الزجاج ويبتلعه، ومثل أن يدخل حديدة من جهة ويخرجها من جهة أخرى من بدنه، ومثل أن يُضرب بالخنجر في رأسه حتى لا يستطيع أن ينزعه الرجل القوي، ومثل أن يضع السيف في عينه حتى إذا تركه استطاع أن يحركه بدون أن يسقط، ونحو ذلك من الغرائب والعجائب، وربما جاءوا بالعقارب فأكلوها، وربما أكلوا المسامير، وربما أدخل أحدهم المثقب من النار في جلده، وهذا كله من السحر والشعوذة، ويعتقدون أن ذلك من الكرامات، وقد تحداهم شيخ الإسلام ابن تيمية أمام ناحية السلطنة في دمشق، وتحداهم أمام الناس، وقال: إن كنتم تظنون أن الدخول في النار لا يستطيعه أهل السنة فلنتباهل أنا وأنتم، لكن بشرط أن تغسلوا أبدانكم بالخل والماء الحار؛ لأنهم كانوا يطلون أجسادهم ببعض المواد التي تحميهم عندما يدخلون النار، فيضحكون على الناس، فلم يستطيعوا، وربما منعهم شيخ الإسلام رحمه الله، فاشتكوه في يوم من الأيام إلى نائب السلطنة في دمشق، وقالوا: إن هذا الشيخ آذانا، فنريد أن يفسح لنا المجال في إظهار بعض الكرامات! هكذا يزعمون، والحقيقة أنهم سحرة.
وكذلك رد على الشيعة، فإن له كتاباً اسمه (منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية)، وهو كتاب ضخم ألفه في الرد على صفي الدين بن المطهر الحلي، وهو شيعي كانت له علاقة بالدولة المغولية في زمانه، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية في تلك الفترة تحت حكم المماليك، وهذا الشيعي استطاع أن يوسوس للحاكم المغولي ابن غازان وأن يقنعه بالتشيع واعتنق التشيع، فرد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية بهذا الكتاب الضخم الذي ربما لا يستطيع كثير من الناس اليوم قراءته، وبين فيه ضلاله وانحرافه.
وكذلك رد شيخ الإسلام ابن تيمية على المتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم، فألف كتاباً ضخماً في المعقولات سماه (درء تعارض العقل والنقل)، وله كتاب كبير في الرد على الإمام الثاني في المرحلة للأشاعرة، وهو الرازي، فألف كتاباً سماه (بيان تلبيس الجهمية).