[جماع الدين أصلان]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل.
وجماع الدين أصلان: ألا نعبد إلا الله, ولا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بالبدع، كما قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:١١٠].
وذلك تحقيق الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله, وشهادة أن محمداً رسول الله.
ففي الأولى: ألا نعبد إلا إياه.
وفي الثانية: أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو رسول مبلغ عنه, فعلينا أن نصدق خبره ونطيع أمره].
هذان الأصلان دائماً يكررهما شيخ الإسلام عندما يتحدث عن البدع, ودائماً يربطهما بالشهادتين, بهذه الطريقة.
قال: [وقد بين صلى الله عليه وسلم لنا ما نعبد الله به, ونهانا عن محدثات الأمور, وأخبر أنها ضلالة.
قال تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:١١٢].
كما أننا مأمورون ألا نخاف إلا الله, ولا نتوكل إلا على الله, ولا نرغب إلا إلى الله, ولا نستعين إلا بالله, وألا تكون عبادتنا إلا لله, فكذلك نحن مأمورون أن نتبع الرسول ونطيعه، ونتأسى به، فالحلال ما حلله, والحرام ما حرمه, والدين ما شرعه, قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة:٥٩]، فجعل الإيتاء لله وللرسول، كما قال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧].
وجعل التوكل على الله وحده بقوله: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} [التوبة:٥٩] ولم يقل: ورسوله؛ كما قال في وصف الصحابة رضي الله عنهم في الآية الأخرى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:١٧٣].
ومثله قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:٦٤] أي: حسبك وحسب المؤمنين، كما قال: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر:٣٦].
ثم قال: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} [التوبة:٥٩].
فجعل الإيتاء لله وللرسول, وقدم ذكر الفضل لله؛ لأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، وله الفضل على رسوله وعلى المؤمنين.
وقال: {إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة:٥٩]، فجعل الرغبة إلى الله وحده، كما في قوله: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:٧ - ٨].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس: (إذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله).
والقرآن يدل على مثل هذا في غير موضع.
فجعل العبادة والخشية والتقوى لله, وجعل الطاعة والمحبة لله ورسوله، كما في قول نوح عليه السلام: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} [نوح:٣].
وقوله: {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:٥٢]، وأمثال ذلك.
فالرسل أمروا بعبادته وحده، والرغبة إليه, والتوكل عليه وطاعته, والطاعة لهم، فأضل الشيطان النصارى وأشباههم فأشركوا بالله وعصوا الرسول, فاتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله, والمسيح بن مريم.
فجعلوا يرغبون إليهم، ويتوكلون عليهم, ويسألونهم، مع معصيتهم لأمرهم ومخالفتهم لسنتهم؛ وهدى الله المؤمنين المخلصين لله أهل الصراط المستقيم، الذين عرفوا الحق واتبعوه، فلم يكونوا من المغضوب عليهم ولا الضالين فأخلصوا دينهم لله, وأسلموا وجوههم لله, وأنابوا إلى ربهم, وأحبوه ورجوه وخافوه, وسألوه ورغبوا إليه، وفوضوا أمورهم إليه, وتوكلوا عليه, وأطاعوا رسله, وعزروهم، ووقروهم، وأحبوهم، ووالوهم, واتبعوهم، واقتفوا آثارهم، واهتدوا بمنارهم.
وذلك هو دين الإسلام الذي بعث الله به الأولين والآخرين من الرسل, وهو الدين الذي لا يقبل الله من أحد ديناً إلا إياه, وهو حقيقة العبادة لرب العالمين.
فنسأل الله العظيم أن يثبتنا عليه, ويكمله لنا, ويميتنا عليه, وسائر إخواننا المسلمين.
والحمد لله وحده, وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم] بهذا يكون قد انتهينا من هذا الكتاب العظيم لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية رحمه الله.
المتوفى في القرن الثامن الهجري في سنة (٧٢٨هـ).
وهذا الكتاب كما سبق أن أشرنا, أنه جواب على سؤا