قال المؤلف رحمه الله:[وأما النوع الثاني: فهو الفناء عن شهود السوى، وهذا يحصل لكثير من السالكين].
والشهود معناه: المشاهدة، والسوى المقصود به: سوى الله، فمعنى الفناء عن شهود السوى: أن يفنى الإنسان عن مشاهدة غير الله، فلا يشاهد غير الله، يعني: لا يستحضر في قلبه ولا يشاهد في قلبه إلا الله سبحانه وتعالى.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإنهم لفرط انجذاب قلوبهم إلى ذكر الله وعبادته ومحبته، وضعف قلوبهم عن أن تشهد غير ما تعبد، وترى غير ما تقصد، لا يخطر بقلوبهم غير الله، بل ولا يشعرون كما قيل في قوله تعالى:{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا}[القصص:١٠]، قالوا: فارغاً من كل شيء إلا من ذكر موسى، وهذا كثيراً ما يعرض لمن فقمه أمر من الأمور، إما حب وإما خوف وإما رجاء، يبقى قلبه منصرفاً عن كل شيء إلا عما قد أحبه أو خافه أو طلبه].
وهذا أمر قد يكون في طبائع الأشياء وطبائع الناس، والإنسان عندما يفاجأ بخبر أو بأمر من الأمور قد يصدم لمدة معينة، يختلف الناس فيها، فقد تطول عند بعض الناس، وتقصر عند آخرين، ويكون مندهشاً منذهلاً، وقد لا يشعر بما حوله، وبعض الناس عندما يواجه بخبر صعب قد يبحث عن طاقيته وهي على رأسه، وقد يبحث عن قلمه وهو في جيبه، وقد يبحث عن حذائه وهو في رجليه، ومع هذا لا يشعر به، فهذا أمر طبيعي، فمثل هؤلاء عندما يجتهدون في التعبد فقد يصلون إلى مرحلة اندهاش وعدم شعور بأي شيء من حولهم إلا بالله سبحانه وتعالى.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[بحيث يكون عند استغراقه في ذلك لا يشعر بغيره، فإذا قوي على صاحب الفناء هذا فإنه يغيب بموجوده عن وجوده، وبمشهوده عن شهوده، وبمذكوره عن ذكره].
والمقصود قوله: فإنه يغيب بموجوده يعني: بالشيء الذي وجده، عن وجوده يعني: عن وجود نفسه وما حوله، وبمشهوده يعني: الذي شاهده واستغرق قلبه به، ومذكوره يعني: الذي يذكره ويتعلق قلبه به، وبمعروفه يعني: الذي يستغرق في معرفته.