الزنادقة الذين رد عليهم الإمام أحمد رحمه الله ليس هم الذين ينفون القرآن بالكلية، فإن هؤلاء شأنهم يسير، فالذي يأتي ويقول: القرآن كله باطل، شأنه يسير من ناحية أن حكمه واضح عند المسلمين، ولا يشك أحد من المسلمين في ضلاله وانحرافه، لكن المشكلة في الزنادقة الذين رد عليهم الإمام أحمد هي أنهم نوع خاص من الزنادقة يأخذون القرآن ويلعبون به، ويريدون أن يثبتوا بهذا أن القرآن متناقض، فيشككون الناس في صدق هذا القرآن، فرد عليهم الإمام أحمد رحمه الله بهذا الكتاب، والجهمية كذلك، فهم الذين أرادوا أن يستدلوا بالقرآن الكريم على أن القرآن مخلوق، مع أن نصوص القرآن ظاهرة في أن كلام الله عز وجل منه، والله عز وجل ليس بمخلوق، بل هو الخالق سبحانه وتعالى، فألف هذا الكتاب في الرد على الذين يلعبون بالنصوص الشرعية ويحاولون الاستدلال بهذه النصوص على بدعهم وعلى آرائهم، وهؤلاء لا شك في أنهم يشكلون خطراً كبيراً في حياة المسلمين، ذلك لأنه عندما يأتي الإنسان ويرد القرآن ويرفضه جملة فإن كل المسلمين يعلمون أنه ضال وأنه منحرف وأنه كافر؛ لأنه ينفي القرآن كله ويقول: هذا كذب وهذه أساطير، لكن المشكلة عندما يأتي الإنسان ويقول: القول الذي أنا أقول به هو ما دل عليه القرآن، مع أن قوله معاند للقرآن، ثم يبحث عن المتشابهات ويلعب بها.
مثال ذلك: لو أن رجلاً قال: أنا أنصحكم ألا تصلوا؛ لأن هذه الصلاة سيئة بالنسبة لكم! فإذا قيل له: كيف تكون سيئة والله عز وجل يأمر بالصلاة؟ قال: إن الله عز وجل يقول: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ}[الماعون:٤]، فإذا صليتم فلكم ويل، وينسى تتمة الآية:{الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ}[الماعون:٥] فالكلام عن طائفة معينة ممن يصلون تارة ويتركون الصلاة تارة أخرى.
وهكذا توجد طوائف ممن يلعبون بالقرآن والسنة بهذه الطريقة والعياذ بالله.