[بيان خطأ المعرضين عن الاشتغال بقضايا العقيدة بحجج واهية]
وهناك أشخاص يقولون: إن العقيدة يسيرة، ولهذا لا داعي لأن نشتغل بتقريرها والبحث فيها، وإنكم أعطيتم هذه القضية أكبر من حجمها.
وهؤلاء لو رجعوا لوجدوا أن منهج الأنبياء جميعاً أن أول ما يبتدئون به مع الأقوام هو الدعوة إلى الاعتقاد الصحيح؛ لأن أعظم قضية في الدين هي قضية إقرار المسلم بربوبية الله تعالى، وإقراره بإلهيته وفعل العبادة له، وإقراره بأسمائه وصفاته، فإذا لم يكن موضوع العقيدة موضوعاً مهماً فما هي الموضوعات المهمة إذاً؟! ولهذا فإن معاذاً رضي الله تعالى عنه عندما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن أمره أن أول ما يبدأ بالعقيدة، فقال: (إنك تأتي قوماً أهل الكتاب، فليكن أول ما تأمرهم به شهادة ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله).
ومن العجيب أن الذين يقولون: إن موضوع العقيدة يسير يستدلون بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه معاوية بن الحكم السلمي وكان قد ضرب جاريته فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أين الله؟ قالت: في السماء.
قال: من أنا؟ قالت: رسول الله.
قال: فأعتقها فإنها مؤمنة) فيقولون: انظروا كيف قرر العقيدة في دقائق! ولهذا فإنه لا حاجة إلى أن تطيلوا الشرح في الموضوع وتفرعوا وتوسعوا.
ولا شك في أن هذا خطأ كبير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قرر لهذه الجارية العقيدة لم يقرر لها كل العقيدة، وإنما قرر لها المسائل الأساسية، فقرر لها أن الله في العلو، وقرر لها صدق نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولتتلقى منه، هذا أولاً.
ثانياً: أنه كان يريد أن يطمئن على أنها مؤمنة، وليست بمشركة، ولهذا فأكثر آيات القرآن الكريم تختم بالأسماء والصفات، أو في أثنائها ينبه على علم الله عز وجل وقدرته، وأنه سبحانه وتعالى مع الإنسان في كل لحظة، وكل هذا من العقائد.
وحينئذ فلا شك في أن تقرير العقيدة من أهم الأمور في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، فإذا صححت العقائد عند الناس استقام دينهم، وإذا فسدت عقائدهم ضلوا وانحرفوا عن المنهج السليم، وإذا كانت عقائدهم صحيحة فإن بقية الأعمال تبنى عليها، سواء في موضوعات الفقه، أو في موضوعات العمل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو في أي موضوع من الموضوعات.
ثم إن الإيمان هو القوة وهو أساس العقيدة، فالإيمان الكامل إذا تحقق في النفس استطاع الإنسان أن يواجه الفتن والشيطان وهوى النفس الأمارة بالسوء، ونحو ذلك.
فمن هذا المنطلق نعرف أن منهج جميع الرسل الكرام هو الدعوة إلى العقيدة الصحيحة، وتقريرها، وأعظم العقيدة التي يدعى إليها العبادة لله سبحانه وتعالى.