الأثر الثاني: الاحتجاج بالقدر، وقد سبق أن أشرت إلى أن هؤلاء عظّموا الحقيقة الكونية وفنوا فيها، والفناء سيأتي له تفصيل إن شاء الله، لكن معناه بشكل عام هو: غياب الذهن في طلب شيء معين.
فهم طلبوا معرفة أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت ففنوا في هذا الأمر، فاعتبروا أن كل مخلوقات الله عز وجل معظّمة ومقدّسة ولها منزلة ولها مكانة، ونحن نعلم أن الله عز وجل خلق أشياء وهو يكرهها ويبغضها، فخلق الكفر، وخلق الذنوب والمعاصي، وخلق إبليس، وخلق الكفار، وخلق أهل الإجرام، وخلق أشياء كثيرة جداً وهو يبغضها، والحكمة من ذلك: الابتلاء، لكن هؤلاء لما فنوا في مخلوقات الله عز وجل اعتبروا كل المخلوقات معظّمة، وبناء على هذا أسقطوا التكاليف عن الناس جميعاً، واعتبروا كل الناس ممدوحين وأنهم على حق، وهؤلاء الذين شهدوا الحقيقة الكونية ليسوا على درجة واحدة، وإنما هم على درجات متعددة أشار إليها شيخ الإسلام رحمه الله في هذه الرسالة، وسنعرض لكل طائفة من هذه الطوائف التي فنت في الحقيقة الكونية وما ترتب على فنائها في الحقيقة الكونية، وشهودها لهذه الحقيقة من آثار خطيرة في المعتقد.