[وحدة الأديان]
العقيدة الثالثة: وحدة الأديان.
فالصوفية من الدعاة إلى وحدة الأديان، ولا يلزم من ذكري هذه العقائد أن كل صوفي عنده هذه العقائد، لكن هذا هو منهج التصوف، ففي بعض الأحيان قد يلتزمه الناس جميعاً, وفي بعض الأحيان قد يلتزم بعض الناس بعضه ويتركون بعضه, وفي بعض الأحيان قد يلتزم بعضهم الشعار فقط, فيقول: أنا صوفي، ويمشي معهم وهو لا يعلم, فالمخدوعون كثر.
ففي وحدة الأديان يرى أئمة الصوفية الكبار -مثل ابن عربي والحلاج وابن الفارض وغيرهم- أنه ليس هناك فرق بين الأديان, وإنما الأديان جميعاً دين واحد، وهو اعتقاد أن هذا الوجود هو الله سبحانه وتعالى.
يقول ابن عربي: لقد صار قلبي قابلاً كل صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني فهو يرى أن حب الوجود جميعاً هو دينه؛ لأن الوجود جميعه هو الله عز وجل عنده، فهو يحب اليهود والنصارى والوثنيين وكل الفلسفات الموجودة المتناقضة يحبها جميعاً؛ لأن الحب هو دينه وإيمانه.
وقد سبق أن نقلنا عن أحد السلف -وهو مكحول رحمه الله- أنه كان يقول: من عبد الله بالخوف وحده فهو حروري, ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئي, ومن عبد الله بالحب وحده فهو زنديق.
ويقصد به هؤلاء, ولهذا سبق أن ذكرت أن التصوف عبارة عن دين من أديان الهند نقلته الزنادقة إلى حياة المسلمين, ولهذا فإن السلف كانوا يسمون هذا النوع من أصحاب العقائد زنادقة.
ويمكن أن يراجع كتاب اسمه (التنبيه والرد) للملطي رحمه الله, فإنه ذكر عقائد الصوفية، وهو في كل عقيدة يقول: وتقول الزنادقة كذا, وتقول الزنادقة كذا, ويقصد به هؤلاء الصوفية الكبار.
ومما يمكن في هذا أن أبا يزيد البسطامي مرَّ على مقبرة يهود فقال: معذورون، ومر على مقبرة من مقابر المسلمين فقال: مغرورون, ثم خاطب الله عز وجل فقال: ما هؤلاء حتى تعذبهم؟! حطام جرت عليهم القضايا، اعف عنهم.
وهذه عقيدتهم التي سيأتي الإشارة إليها، وهي أنهم يرون أن العباد مجبورون على أفعالهم, فهم جبرية.