وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن هذه الآية لما نزلت شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله! أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال: إنما هو الشرك، ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان:١٣]؟ وإبراهيم الخليل إمام الحنفاء المخلصين، حيث بعث وقد طبق الأرض دين المشركين، قال الله تعالى:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة:١٢٤]، فبين أن عهده بالإمامة لا يتناول الظالم، فلم يأمر الله سبحانه أن يكون الظالم إماماً، وأعظم الظلم الشرك، وقال تعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[النحل:١٢٠]، والأمة: هو معلم الخير الذي يؤتم به، كما أن القدوة الذي يقتدى به.
والله تعالى جعل في ذريته النبوة والكتاب، وإنما بعث الأنبياء بعده بملته، قال تعالى:{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[النحل:١٢٣]، وقال تعالى:{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران:٦٨]، وقال تعالى:{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[آل عمران:٦٧]، وقال تعالى:{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[البقرة:١٣٥]{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[البقرة:١٣٦].
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أن إبراهيم خير البرية)، فهو أفضل الأنبياء بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهو خليل الله تعالى.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنه قال:(إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً)، وقال:(لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله -يعنى: نفسه-)، وقال:(لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر)، وقال:(ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك)، وكل هذا في الصحيح، وفيه: أنه قال ذلك قبل موته بأيام، وذلك من تمام رسالته؛ فإن في ذلك تحقيق تمام مخالته لله تعالى التي أصلها محبة الله تعالى للعبد، ومحبة العبد لله، خلافاً للجهمية].