للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تسوية أصحاب الحقيقة الكونية بين الله وبين كل موجود]

يقول: [حتى تئول به هذه التسوية إلى أن يسوي بين الله والأصنام]، فكيف تئول به هذه التسوية حتى يسوي بين الله والأصنام؟! لأنه يعتقد أن الأصنام مخلوقة لله عز وجل، وبناء على هذا يعتقد أن عبادتها صحيحة، فهو سوى بين الله وبين الأصنام في العبادة.

وليس المقصود أنه سوى بين الله والأصنام في كل شيء؛ لأنه يشهد الحقيقة الكونية التي هي خلق الله، والأصنام يعتبرها من خلق الله، لكن سوى بين الله وبين الأصنام في العبادة، فهؤلاء لما أهملوا الحقيقة الدينية حصل عندهم الشرك، فلما حصل عندهم الشرك بدءوا يدافعون عن الشرك، فإذا عبدوا القبور مثلاً، أو عبدوا الأصنام، أو عبدوا أي شيء من دون الله قالوا: نحن لسنا كفاراً؛ لأننا نعتقد أن الموجد والخالق والرازق هو الله، فهم عندما قالوا بهذا القول سووا بين الله وبين الأصنام في الحقيقة الدينية الشرعية، أي: في الإلهية.

ونحن نعلم أن كفار قريش كانوا يشهدون الحقيقة الكونية، ويقرون بأن الخالق هو الله تعالى إذا سئلوا، كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:٢٥]، فهم يعرفون أن الله هو خالق السموات والأرض، وهو مدبر كل شيء، وما عبدوا الأصنام لأنهم يعتقدون أن هذه الأصنام خالقة ورازقة ومحيية ومميتة ومدبرة، بل عبدوها لأنهم يعتقدون أنها وسائط، كما قال تعالى عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣].

ولهذا أثبت الله عز وجل في القرآن لكفار قريش وغيرهم من كفار العرب أنهم يشهدون الحقيقة الكونية، والدليل على هذا قول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦]، فهم يؤمنون بالله إيمان الربوبية كما قال جماعة من المفسرين، ويشركون بالله في الإلهية، فهل نفعهم الإيمان بالربوبية؟! ما نفعهم.

وهكذا فهؤلاء المتصوفة لما عظموا الحقيقة الكونية والربوبية شابهوا المشركين، وسيأتي معنا نص شيخ الإسلام رحمه الله على مشابهتهم للمشركين.

إذاً: معنى قول شيخ الإسلام رحمه الله: [حتى تئول به هذه التسوية إلى أن يسوي بين الله وبين الأصنام] يعني: التسوية في الحقيقة الدينية، وأما الحقيقة الكونية فهي التي أوصلته إلى هذه التسوية، يقول: [بل قد آل الأمر بهؤلاء إلى أن سووا الله بكل موجود] يعني: في العبودية، حيث إن هذه المخلوقات كلها لله سبحانه وتعالى.

إذاً: المقصود بالتسوية تسوية العبادة، وليست تسوية الخلق والرزق، يقول: [وجعلوا ما يستحقه من العبادة والطاعة حقاً لكل موجود؛ إذ جعلوه هو وجود المخلوقات، وهذا أعظم الكفر والإلحاد برب العالمين، وهؤلاء يصل بهم الكفر إلى أنهم لا يشهدون أنهم عباد الله] يعني: عندما يتجاوزون كثيراً وأكثر يصل بهم الحال إلى أنهم يعتقدون أنه ليس إلا المخلوقات فقط، وهي التي خلقت نفسها، فهي الإله، وهي المألوه في نفس الوقت.

ثم قال: [لا بمعنى أنهم معبودون، ولا بمعنى أنهم عابدون؛ إذ يشهدون أنفسهم هي الحق، وهذا هو دين ومذهب وحدة الوجود، كما صرح بذلك طواغيتهم كـ ابن عربي صاحب الفصوص] أي: فصوص الحكم كما سبق أن أشرت إلى ذلك.

وهناك كتاب آخر بنفس الاسم اسمه (فصوص الحكم) للفارابي، والفارابي هو الفيلسوف الملحد المشهور والموسيقار المشهور الفارابي، له كتاب اسمه: (خصوص الحكم) في الفلسفة.

وقد سبق أن ذكرت أن ابن سبعين بقي في غار حراء ينتظر الوحي شهراً؛ لأنه يعتقد أنه يمكن أن يحصل له التنبؤ، والعجيب أنه يحتاج إلى النبوة مع أنه يعتقد أنه هو الله، فانظروا إلى التناقض، فكيف تذهب وتجلس في غار حراء شهراً تنتظر النبوة وأنت الله كما تزعم، والجبل الذي بجوارك هو الله أيضاً، وتطلب من الله وأنت الله، فكيف يطلب الله منك؟! فأفسد دين مر على أهل الأرض هو دين هؤلاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>