للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[واجب الداعية في مواجهة طرفي الانحراف في الأمة]

أقول: في خضم هذه الآراء وهذه الاتجاهات وهذه التيارات وهذه الأفكار لابد للداعية إلى الله عز وجل من ضبط المنهج الذي يسير عليه، بحيث يكون بعيداً عن أصحاب المذاهب الكفرية التي تخرجه عن أخلاقه العادية فضلاً عن دينه، وبعيداً -أيضاً- عن الفرق الضالة التي تعصف بالناس.

إن هذا المنهج لم يجعله الله عز وجل مخفىً لا نعرف له طريقاً، وإنما جعل الله عز وجل له معاني يمكن للإنسان أن يشاهدها وأن يصير عليها، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:١٥٣]، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً مستقيماً، ثم خط عن يمينه خطوطاً وخط عن يساره خطوطاً، ثم قرأ قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:١٥٣])، ولهذا فإن على الإنسان أن يعرف الصراط المستقيم، ويعرف كيف يمكنه أن يسير عليه.

إن هذه الأمور -أيها الإخوة- لا ينبغي للإنسان أن يأخذها بطريقة سطحية، ويوافق كلام الآخرين فيها، بل الواجب على الإنسان أن يدرس وأن يتأمل وأن يفكر، لاسيما وأن حياتنا مليئة بالتيارات والأفكار، ومليئة بالآراء، فلابد للإنسان من أن يسير على منهج منضبط، وهذا المنهج المنضبط هو صراط الله المستقيم، وهذا الصراط المنضبط يشرع من خلال كتب أئمة السلف السابقين في الاعتقاد والأعمال، ويشرع في ضوابطه لطالب العلم، ويشرع في تأصيله في مسائل الاعتقاد، ويشرع في نظرته للكتاب والسنة وكيف يمكن أن يفهم الإنسان الكتاب والسنة، وهو الذي سار عليه الصحابة رضوان الله عليهم، وسار عليه من بعدهم من أهل العلم، حتى ظهرت الآراء والأهواء المضلة.

ولهذا ينبغي على طالب العلم أن يدرس وأن يتعلم وأن يتحقق وأن يبحث وأن يفهم، وأن يعرف الطريقة السليمة للاستدلال بالقرآن والسنة، فإن كثيراً من الناس اليوم ضلوا في طريقتهم في الاستدلال، وأضرب على هذا أمثلة: فمن ذلك أن الشيعة تسب عائشة رضي الله عنها وتقول: إن سبب سب عائشة رضي الله عنها هو القرآن! ويستغرب الإنسان ويتساءل: كيف يكون القرآن سبباً في سب عائشة رضي الله عنها؟! فيقولون: إن الله عز وجل يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:٦٧]، فإذا قيل: وما البقرة؟ قالوا: البقرة عائشة! فانظر إلى الضلال في الاستدلال بالنصوص! ومن ذلك أن تجد امرأة نصبت نفسها مفتية فتقول: إنه يجوز للمرأة أن يكون لها ولاية على الرجل ولاية عامة، كأن تكون حاكمة مثلاً، أو ولاية أقل منها، كأن تكون وزيرة مثلاً، بل إنها قالت: إنه يجوز للمرأة أن تصلي إمامة بالرجل، واستدلت على ذلك بقول الله سبحانه وتعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:٧١]، فقالت: ((بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)) يعني: المؤمنون بعضهم أولياء على المؤمنات، وبعض المؤمنات أولياء على المؤمنين! فانظر إلى هذه الطريقة العوجاء في الاستدلال.

وما يزال كثير من الناس اليوم يتلاعب بالأحكام ويتلاعب بالقرآن والسنة، وبعضهم لا يستدل بالقرآن والسنة، إلى درجة أنك قد تجد من أثر عليه فأصبح يقول: إن اليهود والنصارى ليسوا كفاراً! بل إن بعضهم من أصحاب الأفكار العصرية يقولون: كيف يمكن أن يدخل البدوي الفلاح الغبي الجنة، لأنه يقول: لا إله إلا الله ويصلي ويصوم، بينما فلان من طواغيت الكفر الذكي المخترع كذا وكذا من الآلات المعاصرة يدخل النار؟! فيقولون: هذا تناقض، ويعتقدون أن هذا تناقض.

ونحن نقول: يدخل الجنة؛ لأن الله عز وجل جعل للجنة باباً، وجعل للباب مفتاحاً، ومفتاح هذا الباب موجود عند هذا الأعرابي، حتى لو وصف بما وصفه به، والمفتاح لا يوجد عند ذلك المخترع.

<<  <  ج: ص:  >  >>