قال المؤلف رحمه الله تعالى: [بل قد جعل الله أساس محبته ومحبة رسوله الجهاد في سبيله، والجهاد يتضمن كمال محبة ما أمر الله به، وكمال بغض ما نهى الله عنه، ولهذا قال في صفة من يحبهم ويحبونه:{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}[المائدة:٥٤]، ولهذا كانت محبة هذه الأمة لله أكمل من محبة من قبلها، وعبوديتهم لله أكمل من عبودية من قبلهم، وأكمل هذه الأمة في ذلك هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ومن كان بهم أشبه كان ذلك فيه أكمل، فأين هذا من قوم يدعون المحبة؟! وسمعوا كلام بعض الشيوخ: المحبة نار تحرق في القلب ما سوى مراد المحبوب وأرادوا أن الكون كله قد أراد الله وجوده، فظنوا أن كمال المحبة أن يحب العبد كل شيء حتى الكفر والفسوق والعصيان، ولا يمكن لأحد أن يحب كل موجود، بل لا يمكن أن يحب إلا ما يلائمه وينفعه، وأن يبغض ما ينافيه ويضره].
لأن الأمور الموجودة منها: أمور تلائم، ومنها: أمور تنافر، وهناك أمور يمكن للإنسان محبتها، وأمور لا يمكن محبتها، ولهذا فإن الدعوى التي تقتضي الجبر المطلق والخضوع المطلق لكل من خلقه الله عز وجل دعوى باطلة من ناحية الشريعة، وباطلة من الناحية الواقعية، فمثلاً: لو جاءك شخص وقتلك فهل تحبه؟ هذا أمر غاية في البطلان.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[بل لا يمكن أن يحب إلا ما يلائمه وينفعه، وأن يبغض ما ينافيه ويضره، ولكن استفادوا بهذا الضلال من اتباع أهوائهم، ثم زاد انغماساً في أهوائهم وشهواتهم، فهم يحبون ما يهوونه كالصور والرئاسة وفضول المال والبدع المضلة، زاعمين أن هذا من محبة الله، وكذبوا وضلوا؛ لأن محبة الله لا تكون إلا ببغض ما يبغضه الله ورسوله، وجهاد أهله بالنفس والمال.
وأصل ضلالهم أن هذا القائل الذي قال: إن المحبة نار تحرق ما سوى مراد المحبوب، قصد بمراد الله تعالى: الإرادة الكونية في كل الموجودات، أما لو قال مؤمن بالله وكتبه ورسله من غير هؤلاء الصوفية مثل هذه المقالة فإنه يقصد الإرادة الدينية الشرعية التي هي بمعنى: محبته ورضاه، فكأنه قال: تحرق من القلب ما سوى المحبوب لله، وهذا معنى صحيح، فإن من تمام الحب لله ألا يحب إلا ما يحبه الله، فإذا أحببت ما لا يحب كانت المحبة ناقصة، وأما قضاؤه وقدره فهو يبغضه ويكرهه ويسخطه وينهى عنه، فإن لم أوافقه في بغضه وكراهته وسخطه لم أكن محباً له، بل محباً لما يبغضه].