[الفرق بين المحبة والخلة]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد أخبر تعالى أنه (يحب المتقين) (ويحب المحسنين) و (يحب المقسطين) و (يحب التوابين) و (يحب المتطهرين) ويحب {الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:٤]، وقال: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:٥٤]، فقد أخبر بمحبته لعباده المؤمنين، ومحبة المؤمنين له حتى قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥].
أما الخلة فخاصة، وقول بعض الناس: إن محمداً حبيب الله، وإبراهيم خليل الله، وظن أن المحبة فوق الخلة قول ضعيف، فإن محمداً أيضاً خليل الله كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة المستفيضة، وما يروى: أن العباس يحشر بين حبيب وخليل وأمثال ذلك فأحاديث موضوعة لا تصلح أن يعتمد عليها.
وقد قدمنا أن محبة الله تعالى: هي محبته ومحبة ما أحب، كما في الصحيحين: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار)].
هذه الآيات هي في سياق كون الله عز وجل يحب؛ لأنه أضاف المحبة إليه، فيحب يعني: الله عز وجل، فهناك ضمير مستتر في الجملة يعود إلى الله سبحانه وتعالى.
وهناك محبة لله ولوازم لهذه المحبة، فمن لوازم محبة الله عز وجل: محبة ما يحب، مثل: فرائض الله عز وجل التي أمر بها، فإنه لا يأمر شرعاً إلا بما يحب، ومن ذلك أيضاً: الأعيان التي يحبها الله كالصحابة والأنبياء قبل ذلك، وكالأماكن التي يحبها الله مثل: مكة، والمدينة، وبيت المقدس، وبلاد الشام عموماً، ومثل: الأوقات التي يحبها الله سبحانه وتعالى، كمحبة الله لشهر رمضان أكثر من محبته لغيره من الشهور، ومحبته سبحانه وتعالى للعشر الأوائل من ذي الحجة أكثر من محبته لغيرها وهكذا، فربك يخلق ما يشاء ويختار.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أن من كان فيه هذه الثلاث وجد حلاوة الإيمان؛ لأن وجد الحلاوة بالشيء يتبع المحبة له، فمن أحب شيئاً أو اشتهاه إذا حصل له به مراده، فإنه يجد الحلاوة واللذة والسرور بذلك، واللذة أمر يحصل عقيب إدراك الملائم الذي هو المحبوب أو المشتهى.
ومن قال: إن اللذة إدراك الملائم كما يقوله من يقوله من المتفلسفة والأطباء فقد غلط في ذلك غلطاً بيناً، فإن الإدراك يتوسط بين المحبة واللذة، فإن الإنسان مثلاً يشتهي الطعام، فإذا أكله حصل له عقيب ذلك اللذة، فاللذة ليست هي الأكل، ولذلك يشتهي النظر إلى الشيء فإذا نظر إليه التذ به، واللذة تتبع النظر، ليست نفس النظر، وليست هي رؤية الشيء، بل تحصل عقيب رؤيته، قال تعالى: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ} [الزخرف:٧١]، وهكذا جميع ما يحصل للنفس من اللذات والآلام من فرح وحزن، وأمثال ذلك يحصل بالشعور بالمحبوب أو الشعور بالمكروه، وليس نفس الشعور هو الفرح ولا الحزن].
هذه قضية واضحة، فإن اللذة التي تتعلق بهذه الأعمال ليست هي مجرد إدراك الملائمة، وإنما هي قدر زائد على هذا الإدراك؛ لأن إدراك الملائمة هو الشعور به، لكن ما يحصل في القلب من ارتياح وانبساط وما يحصل فيه من مشاعر تتفاوت من شخص إلى شخص بناء على اللذة التي حصلها، فينبغي إدراك هذه القضية.
والضالون من أهل الكلام وغيرهم عندما يقولون: إن محبة الله عز وجل هي إرادة الثواب أو إرادة هذا العمل أو نحوه، يريدون بهذا الهروب من معنى المحبة وردها إلى الإرادة، لكن المحبة قدر زائد على مجرد الإرادة، وفي حالة العبد يكون هناك في المحبة لذة، وهي قدر زائد على مجرد الإدراك، فإن الإدراك أمر علمي قد يحصل بدون فرح ولا سرور، وقد يحصل بدون انبساط، وقد يحصل بدون أي علامة من علامات التفاعل مع هذا الأمر، فالإدراك معناه: العلم أو الإرادة، لكن القدر الزائد على الإدراك والقدر الزائد على العلم هذا هو ما يسميه الآن علماء النفس: بالعواطف، أو هو المشاعر التي تحصل للإنسان من فرح وحزن ولذة وسعادة ونحو ذلك.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فحلاوة الإيمان المتضمنة من اللذة به والفرح ما يجده المؤمن الواجد من حلاوة الإيمان تتبع كمال محبة العبد لله وذلك بثلاثة أمور: تكميل هذه المحبة، وتفريعها، ودفع ضدها.
فتكميلها: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، فإن محبة الله ورسوله لا يكتفى فيها بأصل الحب، بل لا بد أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما كما تقدم.
وتفريعها: أن يحب المرء لا يحبه إلا لله.
ودفع ضدها: أن يكره ضد الإيمان أعظم من كراهته الإلقاء في النار.
فإذا كانت محبة الرسول والمؤمنين من محبة الله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب المؤمنين الذين يحبهم الله؛ لأنه أكمل الناس محبة لله؛ وأحقهم بأن يحب ما يحب