قال المؤلف رحمه الله تعالى:[ومثل هذا قد يصدر في حال سكر وغلبة وفناء يسقط فيها].
السكر والغلبة والفناء: هذه مصطلحات خاصة عند الصوفية، فالسكر: هو حالة من حالات الانتعاش النفسي بعد الكشف أو الفناء، أما الفناء: فهو درجاته، وسيأتي الحديث عنه بشكل تفصيلي، فالصوفية لهم طريقة في التعبد غير طريقة أهل السنة، فطريقة أهل السنة أن التعبد مداره الأمر والنهي، فما أمر الله به عمل به، سواء أمر أيجاب أو استحباب، وما نهى الله عز وجل عنه انتهي عنه، فكلما ازداد عملك فيما أمر الله عز وجل به وابتعدت عما نهى الله عز وجل عنه كلما زادت مقامات الإيمان عندك، وهذا هو الإيمان وهذه هي العبودية، وله مقامات عالية وكثيرة، وذلك على قدر التزام الإنسان بدينه الذي هو فعل الأمر وترك النهي، فهذا هو طريق التعبد عندنا، ويكون هذا الطريق مع الإخلاص لله سبحانه وتعالى، واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وترك الابتداع، أما الصوفية فطريقتهم في التعبد مختلفة تماماً، فهم يبدءون عن طريق الخلوة، فيقولون: إن أفضل طريقة: هي أن تجلس في خلوة تنقطع عن الناس فيها، وتنقطع عن قراءة القرآن، وطلب الحديث، وطلب العلم، هكذا نص عليها الغزالي في (إحياء علوم الدين) وتلتزم بورد معين، أي: ذكر معين، وهذا هو ذكر عادي جداً، لكنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل من كلام أحد شيوخ الصوفية، وأحياناً يكون الذكر نفسه ممتلئاً بالخرافات أو بالبدع، فيردده مرتين، أو ثلاث مرات، أو عشرين ألفاً، وأحياناً مئات الآلاف، وأحياناً يردد اسماً واحداً مثل: الله الله الله الله الله آلاف المرات، أو: لطيف لطيف لطيف لطيف لطيف لطيف لطيف، أو يأخذ سورة واحدة مثل:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:١] ويرددها آلاف المرات مثلاً، فيستمر على هذه الحال حتى يأتيه الكشف، والكشف: هو حالة تحصل عند الإنسان تزيل أمامه حجب المعرفة، فتكون معرفته بالله أعظم، وأحياناً يوجد منهم من يعتمد على بعض الرياضات المأخوذة عن الهنود، فيقوم برياضات مثل: الجوع، فيجلس عليه فترات طويلة، ولهذا عقد الغزالي فصلاً كاملاً في (إحياء علوم الدين) في فضل الجوع، والجوع له فضل إذا كان الإنسان صائماً، أو قلل الأكل؛ لأن كثرة الأكل تفسد القلب، وهذا أمر متفق عليه، لكن هم يفضلون الجوع كوسيلة من وسائل الوصول إلى الكشف، وأحياناً يقف الرجل على رأسه فترة طويلة، وأحياناً ينزع ملابسه ويجلس في الهجير في الوقت الذي تشتد فيه الشمس أوقاتاً طويلة حتى يتأثر عقله، فيحصل عند بعضهم نوع من الأمراض النفسية ونوع من الهستيريا، وهم يسمون هذا: كشفاً، وحينئذ ما يأتي للإنسان من كشوف فهي عندهم يقين وصواب مائة بالمائة، ومن هنا يجد الشيطان فرصة لأن يدخل عليه، وأن يلعب ويعبث به، ولهذا فإن الشياطين أكثر ما عبثت بالصوفية، والصوفية هم أئمة السحر في العالم، وكل كتب السحر التي تباع الآن في العالم الإسلامي مؤلفوها هم من الصوفية الكبار، فشمس المعارف الكبرى مؤلفه محمد بن علي البومي ترجم له يوسف بن إسماعيل النبهاني في جامع كرامات الأولياء فقال: وكان مجاب الدعوة، وأسرار الحروف وما يتعلق بعبادة الكواكب وغيرها جاءت من الصوفية.
إذاً: فالخلاف بيننا وبين الصوفية خلاف جذري، وبعض الناس يتصور أن الخلاف بيننا وبين الصوفية هو خلاف في المولد مثلاً، أو أن الصوفية يذكرون الله كثيراً ونحن لا نذكر الله كثيراً، وهذا تسطيح للقضية، وتصوير لها بغير صورتها الحقيقية، فالصوفية منهج متكامل، وليس بالضرورة أن كل من يقول: أنا صوفي يتحقق فيه هذا الأمر، فالمدعون كثر، لكن المنهج الصوفي فيه غرائب وعجائب، ولهذا فإن أصحاب الطريقة الرفاعية يعتمدون ألواناً من السحر مثل: أكل الحيات والعقارب، ومثل إدخال النار إلى الجوف وإخراجها، ومثل: إدخال السيف في العين وإخراجها من الخلف، وكلها مظاهر من مظاهر السحر، ولو ترجعون إلى كتب التراجم عند الصوفية تجدون العجائب، فتجدون من ينام مع الكلاب السنوات الطويلة، ومن يترك ملابسه عليه الأعوام المتعددة والمتكررة، ومن يجلس في الأماكن الوسخة والقذرة ويأكل منها، ويسمون هؤلاء: الملامية، يعني: الأشخاص الذي يعملون أعمالاً يلومهم عليها الناس حفاظاً على عدم انكشاف سرهم، وقد يكون قطباً يدور عليه الكون، فهم يرون أن هذا الكون يدور على مجموعة أقطاب، قد يمشون بيننا ونحن لا ندري عنهم، ويقولون: إن الكون يدور على مجموعة من الأولياء، قد يكون هذا الولي جالساً بجنب زبالة فتظن أنه مسكين فقير جاهل وهو يحرك الكون، ولهذا توجد عندهم مصطلحات مثل: الغوث، ولو رجعنا مثلاً لكتاب (الرسالة) للقشيري لوجدنا أنه يفسر الغوث: بأنه هو الذي يستغاث به، ويستمد منه عند الحوائج، وهذا هو حقيقة الشرك بالله رب العالمين.
وكما قلنا: لا يعني أن كل واحد يقول: أنا صوفي، توجد عنده الشركيات، بل قد يوجد شخص يقول: أنا صوفي، ويتبرأ من هذه الشركيات كلها، ف