[العبودية الاضطرارية واستواء الخلق فيها]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين, وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله, إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين.
اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً، إنك أنت العليم الحكيم.
أيها الإخوة الكرام: في آخر درس من الدروس المتعلقة بكتاب العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعرضنا للكلام عن أقسام العبادة والعبودية، وقلنا: إن العبودية تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: العبودية الاضطرارية.
والقسم الثاني: العبودية الاختيارية.
وسبق أن تحدثنا عن العبودية الاضطرارية، وقلنا: إن العبودية الاضطرارية هي الذل والخضوع لله سبحانه وتعالى اضطراراً, وليس اختياراً من الإنسان, وهذه العبودية حاصلة لكل مخلوقات الله سبحانه وتعالى, فكل المخلوقات من الإنسان والجن والملائكة والأشجار والأحجار وجميع المخلوقات هي عابدة لله سبحانه وتعالى بهذا الاعتبار.
وقلنا: إن الكفار -أيضاً- هم عابدون لله عز وجل اضطراراً, أي: خاضعون له, وذليلون له، وهم في خضوعهم وذلهم هذا ليسوا مختارين، وإنما هم مضطرون إلى ذلك.
فالعبودية بهذا المعنى هي موافقة لربوبية الله سبحانه وتعالى, أي: أنه رب كل شيء سبحانه وتعالى, وأنه خالق كل شيء عز وجل.
وأما العبودية الاختيارية فهي العبودية التي يفعلها الإنسان عن اختيار ولو شاء لتركها, وهذه العبودية لا تكون إلا من المكلفين الذين كلفهم الله سبحانه وتعالى بالأمر والنهي, فهؤلاء هم الذين يعبدون الله عز وجل, وهم المختارون هذه العبادة عن رضى وطواعية.
وسبق أن قلنا: إن العبودية الاضطرارية لا تفرق بين أهل الجنة وأهل النار, وإنه لا يصير الإنسان بها مؤمناً.
وقلنا كذلك عن هذه العبودية: إنه أقر بها المشركون وكفار قريش, فإنهم كانوا يعترفون بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت.
ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى عنهم: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦].
فأثبت لهم إيماناً، لكن هذا الإيمان لا ينفع وحده, بل لابد من أن يضاف إلى هذا الإيمان إيمان آخر، وهو الاختيار في عبودية الله سبحانه وتعالى.