للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وجوب الحذر من الشهوة الخفية التي تقدح في العبودية]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي حديث آخر قال أبو بكر: يا رسول الله! كيف ننجو منه وهو أخفى من دبيب النمل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي بكر: (ألا أعلمك كلمة إذا قلتها نجوت من دقه وجله؟ قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم).

وكان عمر يقول في دعائه: اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً.

وكثيراً ما يخالط النفوس الجاهلة من الشهوات الخفية ما يفسد عليها تحقيق محبتها لله، وعبوديتها له، وإخلاص دينها له، كما قال شداد بن أوس: يا بقايا العرب! إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء، والشهوة الخفية.

وقيل لـ أبي داود السجستاني: وما الشهوة الخفية؟ قال: حب الرئاسة.

وعن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

فبين صلى الله عليه وسلم أن الحرص على المال والشرف في إفساد الدين لا ينقص عن إفساد الذئبين الجائعين لزريبة الغنم، فإن الدين السليم لا يكون فيه هذا الحرص، وذلك أن القلب إذا ذاق حلاوة عبودية الله ومحبته له لم يكن شيء أحب إليه من ذلك حتى يقدم عليه، وبذلك يصرف عن أهل الإخلاص لله السوء والفحشاء، كما قال تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف:٢٤].

فإن المخلص لله ذاق من حلاوة عبوديته لله ما يمنعه عن عبوديته لغيره، ومن حلاوة محبته لله ما يمنعه عن محبة غيره، إذ ليس عند القلب السليم أحلى ولا ألذ ولا أطيب ولا ألين ولا أنعم من حلاوة الإيمان المتضمن عبوديته لله، ومحبته له، وإخلاص الدين له، وذلك يقتضي انجذاب القلب إلى الله، فيصير القلب منيباً إلى الله، خائفاً منه، راغباً راهباً كما قال تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق:٣٣]، إذ المحب يخاف من زوال مطلوبه، أو حصول مرهوبه، فلا يكون عبد الله ومحبه إلا بين خوف ورجاء].

يعني: لا يكون العابد لله عز وجل، والمحب له إلا بين الخوف والرجاء؛ ولهذا قال بعض السلف: الخوف والرجاء كالجناحين للطائر، ويقول مكحول فيما رواه أبو نعيم في الحلية بإسناد صحيح قال: من عبد الله بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبد الله بالخوف والرجاء والمحبة فهو المسلم السني.

<<  <  ج: ص:  >  >>