[تناقض غلاة الصوفية الذين يحتجون بالقدر على فعل المعاصي]
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[فهؤلاء من أعظم أهل الأرض تناقضاً، بل كل من احتج بالقدر فإنه متناقض، فإنه لا يمكن أن يُقَرَّ كل آدمي على ما يفعل، فلا بد إذا ظلمه ظالم، أو ظلم الناس ظالم وسعى في الأرض بالفساد، وأخذ يسفك دماء الناس، ويستحل الفروج، ويهلك الحرث والنسل، ونحو ذلك من أنواع الضرر التي لا قِوام للناس بها، أن يدفع هذا القدر، وأن يعاقب الظالم بما يكف عدوانه وعدوان أمثاله.
ويقال له: إن كان القدر حجة فدع كل أحد يفعل ما يشاء بك وبغيرك، وإن لم يكن حجة بطل أصل قولك: إن القدر حجة].
وهذا واضح في غاية الوضوح، ولهذا فإن الحقيقة أن مسألة الاحتجاج المطلق بالقدر لا يقف على قاعدة علمية دقيقة يمكن أن يناظر ويناقش فيها، وإنما هي عبارة عن مخارج يهرب منها بعض الناس إذا ضُيِّقَ عليه وبُيِّنَ له الحق.
قال:[وأصحاب هذا القول -الذين يحتجون بالحقيقة الكونية- لا يُطَرِّدون هذا القول ولا يلتزمونه].
يعني: لا يلتزمون به بشكل دائم، وإنما يحتجون فقط، فإذا ذكرت لهم نماذج أخرى أو أموراً أخرى تورطوا، ولهذا يقولون بقول يخالف الأصل الذي بنوا عليه مذهبهم.
قال:[وإنما هم يتبعون آراءهم وأهواءهم، كما قال فيهم بعض العلماء: أنت عند الطاعة قدري، وعند المعصية جبري، أي مذهب وافق هواك تمذهبت به].
يعني: إذا قلنا له: يجب عليك أن تطيع الله سبحانه وتعالى، قال: أنا حر، وإرادتي حرة أفعل ما أشاء وأترك ما أشاء، فلا يفعل الطاعة.
وإذا فعل المعصية قلنا: لماذا تفعل المعصية؟ قال: لو شاء الله عز وجل ما فعلتها، يعني: عند فعل الطاعة تصير قدرياً وحراً، وعند المعصية تصبح جبرياً وتؤمن بإرادة الله المطلقة؟ لا شك أن هذا تناقض.