[عشق الصور عبادة لغير الله]
فالشاهد: أن عشق الصور هو نموذج من نماذج التعبد لغير الله سبحانه وتعالى، وقد يكون شركاً أكبر إذا صرف العبادة لغير الله، أو استحوذت هذه المحبة على القلب بأكمله.
والمقصود بعشق الصور هو: عشق الأشكال الجميلة سواء النساء أو غيرها، فالإنسان ينظر إلى الصورة الجميلة فيتعلق قلبه بها فيحبها محبة روحية أكثر من كونها محبة جسدية، وقد يحب امرأة فيتعلق قلبه بها حتى لو لم يجامعها في يوم من الأيام، لكن قلبه يتعلق بها فتكون المحبة روحية، والروح تؤثر في الإنسان مثلما يؤثر الجسد، والروح تمرض مثلما يمرض الجسد، فقد يمرض جسده فلا يقوم من الفراش، وكذلك الروح قد تمرض فتؤثر على بدنه فيسقط طريحاً.
رفع لـ ابن عباس فتى أصبح عظماً على جلد فقال: ما هذا؟ قيل له: من العشق، فكان ابن عباس يستعيذ بالله من العشق طوال ذلك اليوم؛ لأن الجمال والروح بينهما علاقة، وإذا لم يستطع الإنسان ضبط عواطفه، وتوجيه هذه العواطف لمحبة الله عز وجل والتعلق بالله عز وجل فإن هذه العواطف قد تفتك به وتهلكه والعياذ بالله، ولهذا فإن أحمد شوقي يقول: صوني جمالك عنا إننا بشر من التراب وهذا الحسن روحاني أو فابتغي فلكاً تأوينه ملكاً لم يتخذ شركاً في عالم فاني أي: يقصد الشاعر أن هذا الأشياء روحية تؤثر على الإنسان تأثيراً كبيراً، والإنسان مكون من روح وجسد.
والشاهد الذي يعنينا من هذا الكلام: هو أن العشق قد يصل إلى الشرك الأكبر، ولهذا فإن مجنون ليلى هام على وجهه فلم يستفق إلا وهو في صحراء قاحلة بدون أكل وشرب، فمات فيها.
ومعنى هام على وجهه أي: فقد إحساسه، كحاسة الرؤية، وحاسة السمع، وحواسه الجسدية كلها، وأصبح يمشي دون أن يشعر بأي شعور، وهذا معناه: أن إرادة القلب انصرفت لغير الله بأكملها والعياذ بالله.
ولسنا في صدد الحكم على مجنون ليلى، لكن الشاهد: أن الإرادة إذا انصرفت كلها لغير الله عز وجل فإنه قد يقع في الشرك، قال الله عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [هود:١٥]، ومن زينة الحياة الدنيا: النساء وغيرها {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:١٥ - ١٦].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن العاشق لصورة إذا بقي قلبه متعلقاً بها مستعبداً لها اجتمع له من أنواع الشر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، ولو سلم من فعل الفاحشة الكبرى، فدوام تعلق القلب بها بلا فعل الفاحشة أشد ضرراً عليه ممن فعل ذنباً ثم يتوب منه، ويزول أثره من قلبه].
بل إن الذين كتبوا في هذا المجال قالوا: إذا حصل الجماع فقد ما في القلب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس للمتحابين إلا الزواج).
فإذا أحب رجل فتاة فالأولى والأوجب له أن يتزوجها؛ لأنه إذا لم يتزوج منها وبقيت العلاقة بينهما فإن هذا يؤثر تأثيراً سلبياً في حياتهما بشكل كبير، فالزواج في أغلب الأحيان يقطع مشكلة العشق.
قال: [وهؤلاء يشبهون بالسكارى والمجانين].
قال الله عز وجل: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:٧٢]، فشبه السكرة بشرب المسكر، ووجه الشبه بينهما في غياب العقل تماماً، ولهذا فإن كثيراً من الشباب والفتيان يتصلون بالأطباء النفسيين، وبالمشايخ الشرعيين، أنهم يجدون عناء كثيراً جداً وشقاء كبيراً في هذا الموضوع.
والتعبير السطحي لهذا الموضوع هو أنهم يرسمون قلباً، ويرسمون سهماً يخترق هذا القلب، ثم نقطاً من دم، ويكتبون: الحب عذاب، وهذا تعبير صحيح، وفعلاً الحب عذاب دنيوي، فإن صاحبه يشعر بالشقاء والهم والتعاسة والعناء بشكل كبير.
قال: [كما قيل: سكران سكر هوى وسكر مدامة ومتى إفاقة من به سكران وقيل: قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم العشق أعظم مما بالمجانين العشق لا يستفيق الدهر صاحبه وإنما يصرع المجنون في حين].
والفرق بينهما: أن السكران يسكر ساعتين أو خمس ساعات أو عشر ساعات، لكن سكران الهوى يسكر طول عمره.