للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المقصود بالحرف في لغة العرب]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأمثال ذلك مما استعمل فيه لفظ (الكلمة) في الكتاب والسنة, بل وسائر كلام العرب، فإنما يراد به الجملة التامة, كما كانوا يستعملون الحرف في الاسم, فيقولون: هذا حرف غريب, أي لفظ الاسم غريب].

يعني: الحرف في لغة العرب لا يستخدم به الجزء من الكلمة المفردة.

فمثلاً: كلمة (محمد) في اصطلاح النحويين, الميم لوحده يعتبرونه حرفاً, والحاء حرفاً, والميم حرفاً, والدال حرفاً, لكن هناك فرق بين حروف المباني وبين أسمائها, ينبغي الاهتمام بهذا.

يعني هناك فرق بين كلمة ما, حا, دا, مثلاً, وبين كلمة ميم, حاء, دال.

فالأول: لا معنى له, والثاني: اسم, فالميم اسم.

يعني: إذا جئت تصنفها تجد أنها اسم, ولهذا يختلط عند كثير من الناس كلمة حرف في لغة العرب, وبين حرف في اصطلاح النحويين.

فأصبحت الكلمات مثل: محمد تقسم إلى حروف, يقال لك: فيها أربعة حروف, هذه تسمى حرفاً اصطلاحاً فقط, وإلا ما, حا, لا تسمى حرفاً, ليس لها معنى, لكن اسمها الذي يميزها اسم, مثل: ميم حاء دال لام.

انظروا لام, تلاحظوا أن كلمة (ميم) مشتملة على ثلاثة أحرف بالنسبة للاصطلاح النحوي, كلمة ميم, على الما واليا والما, لكن ما, يا, لا معنى لها.

ولهذا تجد أن كثيراً من أهل العلم يتحدثون عن الحروف فيقسمون الحروف إلى قسمين: حروف المباني, وحروف المعاني, هذا في الاصطلاح النحوي.

وحروف المباني: هي هذه التي أشرت إليها, التي تسمى بالأسماء, ميم وياء وميم, مع أن اسمها اسم, لكن وجودها في الكلمة لا يطلق عليه اسم.

وحروف المعاني: مثل: الباء أحياناً يكون لها معنى, ونحو ذلك مما يكون له معنى: وله دلالة مؤثرة تدل في السياق على معنى معين، كقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة:٦]، فهنا تدل على الإلصاق ولهذا لو مسح الإنسان رأسه من فوق طاقيته, لا يعتبر مسحاً حتى يرفع هذه الطاقية ويلصق يده.

هذه تسمى حروف المعاني، وهي التي ينبغي للإنسان أن يجتهد في دراستها وفهمها, وهناك كتب كثيرة يعني مثل: كتاب الرماني (الجنى الداني في حروف المعاني) وكتاب (مغني اللبيب) مثلاً لـ ابن هشام الأنصاري، ففيه قسم خاص في آخر الكتاب عن هذه الحروف ذات المعنى وذات الدلالة.

وهذه الحروف لها أهمية كبيرة بالنسبة للفقيه والمستنبط عندما يقرأ كلام الله, أو يقرأ كلام النبي صلى الله عليه وسلم, لها أهمية في فهمه للآية أو للحديث، وأحياناً يكون فيها خلاف فقهي يبنى عليها.

يعني: مثلاً في قول الله عز وجل: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:٦] هل المرفق يدخل في الغسل؟ أو لا يدخل في الغسل؟ اختلفوا في حرف (إلى) وهو من حروف الجر المعروفة, هل تأتي بمعنى انتهاء الغاية, فاختلفوا هل انتهاء الغاية داخل فيها أو ليس بداخل فيها؟ بحيث إنه يجب غسل المرفق أو لا يجب غسله.

وبناء على هذا يكون للحرف دلالته.

وشيخ الإسلام رحمه الله يريد أن يقرر أن الحرف مثل الكلمة, كما أن الكلمة في اصطلاح النحويين صارت بمعنى الجزء من الجملة, وهذا ليس مراداً في كتاب الله ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم, وإنما هو اصطلاح خاص الهدف منه التعليم، وكذلك الحرف معناه العام في اللغة الاسم, ولهذا الحديث المشهور: (لا أقول: (الم) حرف, ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) يعني: كثير منا يفهم أن الإنسان إذا قرأ مثلاً: (ذلك) أن له بالذال عشر حسنات وبالألف عشر، وباللام عشر, وبالكاف عشر, وهذا غير صحيح، والصحيح أن (ذلك) تعتبر حرفاً واحداً.

فمثلاً: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح:٢٩] , ثلاثة حروف: (محمد) حرف، و (رسول) حرف، ولفظ الجلالة (الله) حرف.

وأما توزيعها باعتبارها أربعة حروف فهذا غير صحيح؛ لأن الحرف الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم في قوله: (لا أقول: (الم) حرف, ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) مقصوده بالحروف التي هي الأسماء, وليس مقصوده بالحروف التي عند النحاة هي جزء من تركيبة الكلمة, لا ليس هذا المقصود, هذا اصطلاح خاص.

ولهذا يا إخواني! أحياناً عند طلبة العلم قد تختلط الاصطلاحات الخاصة بالمعاني الشرعية اللغوية العامة, فيسقطونها عليها.

وبعض الناس مثلاً أشكل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم).

قال: هذا واجب، يعني: واجب باصطلاح الأصوليين, الذي هو الأمر اللازم المتحتم، الذي يترتب على تركه العقاب, وهذا غير صحيح؛ لأنه ورد في حديث جابر بن سمرة أنه قال: (من توضأ فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل).

وهذا مبني على صحة الحديث, هل الحديث صحيح أو فيه انقطاع بين الحسن وجابر بن سمرة؟ لكن خلاصة القول أنه لا يصح إسقاط المصطلحات المتأخرة النحوية والأصولية والحديثية على الألفاظ الشرعية القديمة التي كانت قبلها.

يعني: لو نظر شخص إلى م

<<  <  ج: ص:  >  >>