إن أي موضوع من موضوعات الإسلام يمكن الاستدلال عليه، فموضوع التوحيد فيه أدلة عقلية، موضوع النبوات فيه أدلة عقلية، وموضوع المعاد الأخروي فيه أدلة عقلية، وسبق في إثبات صفة العلم أن من الأدلة العقلية على هذا الموضوع قول الله عز وجل:{أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك:١٤] يعني: لا يتصور أن يخلق الخلق وهو بغير علم، فإن الخالق لابد من أن يكون عالماً، وإلا لم يكن خالقاً، وكذلك في إثبات صفة القوة يقول الله عز وجل:{فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً}[فصلت:١٥] أي: لا أحد أشد منا قوة، والدليل العقلي على خطأ قولهم هو قول الله عز وجل:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً}[فصلت:١٥]، أي: أنتم -يا من ادعيتم القوة المطلقة- مخلوقون، فالذي خلقكم أقوى منكم؛ لأنه لو لم يكن أقوى منكم لما استطاع خلقكم، فالقوة العالية التي يفتخرون بها يقدر الله تعالى على إزالتها.
وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد فت عظماً وقال: هل تظن أن هذا سيبعثه الله بعد ذلك؟ فأنزل الله عز وجل:{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا}[يس:٧٨]، يعني: لما جاء بالعظم وفته، {وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}[يس:٧٨] فالدليل العقلي هنا: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ}[يس:٧٩] فالذي أنشأها أول مرة قادر على إحيائها، وهذا واضح، فلو أنك طبعت كتاباً، وبعد أن انتهيت من طباعته مزقته، أفلا تستطيع طباعته مرة أخرى؟! وهكذا الخلق، فالذي خلقك أول مرة هو الله عز وجل، فإذا أهلكك فإنه يستطيع أن يحييك مرة أخرى؛ لأنه هو الذي ابتدأك، بل إن البداية أشد، وهناك أدلة عقلية أخرى غير هذه الأدلة، وإنما هذه أمثلة.