قال المؤلف رحمه الله تعالى:[ولهذا وجد في المتأخرين من انبسط في دعوى المحبة حتى أخرجه ذلك إلى نوع من الرعونة والدعوى التي تنافي العبودية].
يعني: كما أنه يوجد أشخاص أخرجوا المحبة من حقيقة العبودية يوجد أشخاص أيضاً حصروا المحبة في العبودية إلى درجة أنه كما قال الشيخ: أوصلهم إلى نوع الرعونة، وادعاء العشق، بل بعضهم يأتي بالأشعار والأبيات التي يذكرها الشعراء في معشوقاتهم من النساء ويجعلها بينه وبين الله عز وجل، وقد يستخدم لفظ العشق، ولا شك أن هذا أمر مذموم وغير صحيح، فإن محبة الله عز وجل تختلف عن محبة المخلوقين، ولا شك أنه قد توصله هذه الدعوى إلى فقدان الخوف من الله سبحانه وتعالى، والأمن من مكره سبحانه وتعالى، ولهذا يقول العلماء: إن الخوف والرجاء كالجناحان للطائر.
فإن الانبساط في المحبة قد يوصل إلى الإرجاء، ولهذا جاءت المقالة التي تنقل عن رابعة العدوية أنها قالت: إنا لا نعبد الله خوفاً من ناره ولا طلباً لجنته، وإنما نعبد الله سبحانه وتعالى محبة فيه.
وهذا لا شك أنه خطأ وغير صحيح، فنحن نعبد الله عز وجل محبة فيه، وخوفاً من ناره، وطلباً لجنته ورضوانه، ولهذا جاءت الأحاديث الصريحة والآيات القرآنية الواضحة التي تبين ثواب الأعمال، والترغيب في الجنة، والآيات الواضحة التي تبين الترهيب من النار، ولو لم يكن لهذا دور في العبودية لما كان هناك مبرر لذكرها، ولهذا ينقل عن رابعة أنها كانت إذا سمعت بعض الآيات الواردة في الجنة أو النار تقول: يدللوننا كأننا أطفال.
ولا شك أن هذا خطير إذا ثبت ذلك عنها، والله عز وجل يقول عن الرسل أنهم كانوا:{وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}[الأنبياء:٩٠]، فدعوة الرغب تقتضي وجود المحبة والرغبة فيما عند الله، ودعوة الرهبة تقتضي وجود الخوف منه، فلا بد من الاجتماع بين الخوف والرجاء.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[ولهذا وجد في المتأخرين من انبسط في دعوى المحبة، حتى أخرجه ذلك إلى نوع من الرعونة والدعوى التي تنافي العبودية، وتدخل العبد في نوع من الربوبية التي لا تصلح إلا لله، ويدعي أحدهم دعاوى تتجاوز حدود الأنبياء والمرسلين، أو يطلب من الله ما لا يصلح -بكل وجه- إلا لله، لا يصلح للأنبياء ولا للمرسلين فضلاً عمن هو دونهم.
وهذا باب وقع فيه كثير من الشيوخ، وسببه: ضعف تحقيق العبودية التي بينها الرسل، وجردها الأمر والنهي الذي جاءوا به، بل ضعف العقل الذي به يعرف العبد حقيقته، وإذا ضعف العقل وقل العلم بالدين، وفي النفس محبة طائشة جاهلة، انبسطت النفس بحمقها في ذلك، كما ينبسط الإنسان في محبة الإنسان مع حمقه وجهله].
الشيخ هنا يتحدث عن حمق من يشتغل بالعبادة مع جهل فيه أوصله إلى نوع من الرعونة أو طلب غير الممكن، كأن يطلب بعض صفات الله عز وجل له ونحو ذلك، فإنه يوجد من الحمق في مجتمعات المسلمين اليوم شيء كثير وبالذات عند المنافقين، وخصوصاً الذي يكتبون في الصحافة هذه الأيام، فكثير -مع الأسف- ممن يكتب في الصحافة هذه الأيام هو من هذا الجنس والنوع، ولهذا يوجد بعض الكتاب اليوم يتكلم في الدين وهو ليس من أهله لا علماً ولا اطلاعاً، فليس عنده علم شرعي يمكن أن يتكلم به، وليس عنده اطلاع يمكن أن يتكلم به، ومن أمثال هؤلاء رد الكاتب الجاهل أبي السمح على الشيخ صالح الفوزان، والحقيقة أنه ليس في مستوى الرد عليه، لكن الشيخ صالح أراد أن يزيل شبهة يمكن أن توجد عند العوام فبين أن قضايا الولاء والبراء ليس فيها أي تكفير غير من كفره الله سبحانه وتعالى، ومع هذا يأتي مثل هذا الأحمق ويرد على الشيخ ويذكر نماذج ليس فيها تكفير، منها مثلاً: أن الشيخ يحرم ابتداءهم بالسلام، فهل هذا فيه تكفير؟ بل هذا غاية ما فيه أنه يحرم ابتداؤهم بالسلام، وهذه أمور ليست جديدة، ومنها مثلاً: ويجب أن يضطروا إلى أضيق الطريق، وهذه هي الوثيقة العمرية التي كتبها في عهده لأهل الذمة، وهذا أمر متفق عليه عند أهل العلم وليست أمراً بعيداً، والحقيقة أن المشكلة التي نعاني منها في هذا الزمان هو ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من علامات آخر الزمان في قوله عليه الصلاة والسلام:(وينطق فيه الرويبضة)، فأنا لا أشك أبداً أن هناك مجموعة كبيرة من الكتاب الذين يكتبون في الصحافة هم من الرويبضة، وهم التافهون الذين يتكلمون في الأمور العامة، فيأتي إنسان ويبطن في نفسه إرادة سيئة على مستوى بنات المسلمين في بلادنا مثلاً، فيأتون بمقترح مثل مقترح التربية الرياضية للبنات، وأن البنت ليست ممنوعة بأن تحرك يديها يميناً وشمالاً، أو تتحرك أماماً أو خلفاً، أو أن تجلس في بيتها وتتحرك قليلاً، لكن وجود مادة مستقلة لها أهداف معينة كوجود فريق نسائي رياضي يمثل بلادنا في المنتديات العالمية، وأن ينافس على كأس، أو وجود سابحات يظهرن بسراويل صغيرة، وسنتيانات يعرضن أجسادهن على الكاميرات العالمية، فهذا