قال:[ومنهم طائفة يغترون بما يحصل لهم من خرق عادة مثل مكاشفة، أو استجابة دعوة مخالفة للعادة العامة، فيشتغل أحدهم بهذه الأمور عما أمر به من العبادة والشكر، ونحو ذلك؛ فهذه الأمور ونحوها كثيراً ما تعرض لأهل السلوك والتوجه، وإنما ينجو العبد منها بملازمة أمر الله الذي بعث به رسوله في كل وقت.
كما قال الزهري: كان من مضى من سلفنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة.
وذلك أن السنة كما قال مالك رحمه الله: مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق].
هذه الطائفة مختلفة عن الطوائف السابقة، وهذه الطوائف الخمس تشترك في مقسم واحد وهو شهود الحقيقة الكونية، أحياناً يكون شهودهم للحقيقة الكونية يدفعه لترك العمل كله، أحياناً بترك جزء من العمل، وأحياناً يدفعه إلى فهم القدر بوجه غير صحيح، وأحياناً يدفعه لترك المستحبات كما في الطائفة الرابعة، وأحياناً شهود الحقيقة الكونية مع التعلق بشيء من الكرامات، كخرق عادة أو مكاشفة سواءً علمية أو عملية، يدفعه ذلك للانشغال بها عن العبادة الحقيقية؛ فأحياناً الإنسان قد يوفقه الله عز وجل فيحصل له شيء من الكرامات، فبدلاً من أن يحمد الله عز وجل، وأن يشكر الله عز وجل وأن يزيد في العمل الصالح، يشتغل بها ويتعلق قلبه بها، ويفكر فيها في كل وقت، ويجعلها ديدناً له بشكل مستمر، فيترتب على هذا عند هذا الشخص أنه يهمل في الشكر والعبادة، وهذه إحدى مداخل إبليس، ولهذا ذكر ابن الجوزي رحمه الله في (تلبيس إبليس) نماذج كثيرة من تلبيس الشيطان في كل أبواب الخير؛ فهناك تلبيس للشيطان في العلم، وهناك تلبيس للشيطان في العمل، وهناك تلبيس للشيطان في القراءة، وهناك تلبيس للشيطان في الدعوة، وهناك تلبيس للشيطان في كل باب من الأبواب، يأتي الشيطان ليضله في أصل الدين، فإذا لم يستطع أن يضله في باب من الأبواب الواجبة، فإذا لم يستطع يحاول أن ينقص ما عنده من العمل، فإذا لم يستطع يحاول أن يشغله بأمر من الأمور التافهة التي لا قيمة لها، فيشغله عن الأعمال الصالحة، كما حصل في حالة هؤلاء.
ولهذا لا نجاة ولا فلاح ولا راحة للإنسان، ولا طمأنينة ولا سعادة له، إلا باتباع كلام الله عز وجل، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فاتباع السنة هو النجاة.
ولهذا شبهها الإمام مالك بأنها سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تركها غرق، وهذا التشبيه تشبيه بليغ، لأن سفينة نوح عندما جاء الطوفان عم الأرض، وقال لابنه: إنه لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، ومن نجا هو من كان مع نوح في السفينة؛ وهكذا السنة، من دخل في السنة وعمل بما أمر الله عز وجل به، وأمر به الرسول صلى الله عليه وسلم نجا من الهلاك، ومن ابتدع أياً كانت بدعته كبيرةً أو صغيرة، فإنه في ضلال وهلاك.