[موضوع كتاب التوحيد لابن خزيمة]
هذا الكتاب الذي هو كتاب التوحيد صنفه الإمام ابن خزيمة رحمه الله تعالى في العقيدة، وهدفه الأساسي الاختصاص بمسألة توحيد الأسماء والصفات، خاصة مسألة الصفات؛ لأن الخلاف في موضوع الصفات خلاف كبير، وقد حصلت فيه فُرقَة عظيمة بين الناس في القرن الثالث خاصة لا سيما عندما وقعت المحنة والفتنة التي سبق أن أشرنا إليها، وهي فتنة خلق القرآن.
وهذا الكتاب الذي ألفه ابن خزيمة رحمه الله اشترط فيه الصحة كما اشترط الصحة في صحيحه، وهذا هو ظاهر كلامه رحمه الله في المقدمة، فإنه عندما تحدث عن سبب تأليف الكتاب بين أنه بسبب ظهور بعض الأحداث سمع من المشتغلين بالعلم الذين جالسوا أهل الأهواء والبدع، سمع منهم كلاماً خلاف السنة فقام بتأليف هذا الكتاب.
ويحسن هنا أن نذكر الموطن التي أشار فيها إلى اشتراطه للصحة، فإنه عندما ذكر المسائل التي سيتعرض لها في هذا الكتاب وهي مسألة القدر ومسألة الأسماء والصفات قال: مما وصف الله به نفسه في محكم تنزيله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وبما صح وثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم بالأسانيد الثابتة الصحيحة بنقل أهل العدالة موصولاً إليه، ليعلم الناظر في كتابنا هذا ممن وفقه الله لإدراك الحق والصواب، ومنَّ عليه بالتوفيق لما يحب ويرضى صحة مذهب أهل الآثار في هذين الجنسين من العلم.
يقصد العلم بالقضاء والقدر، والعلم بتوحيد صفات الله سبحانه وتعالى.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى أن ابن خزيمة رحمه الله ممن اشترط الصحة في كتابه التوحيد، فإذا روى حديثاً بإسناده ولم يعلق عليه فذلك علامة على أنه يرى أنه صحيح، كما أنه إذا روى حديثاً في صحيحه المشهور الذي لم يطبع منه إلا الربع فقط فهو -كذلك- صحيح عنده، ولكن مع هذا فقد وجد في هذا الكتاب بعض الأحاديث التي انتقدت، رواها عن بعض الضعفاء، بل روى عن بعض المتروكين.
ومن الأحاديث الضعيفة التي ذكرها رحمه الله تعالى الحديث المشهور الذي فيه أن الله خلق الأرض على النون، والنون على قرن ثور، وهو حديث طويل لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك نقله في هذا الكتاب.
وهذا الكتاب يرد فيه على الطوائف المنحرفة جميعاً، فهو يرد فيه على المعتزلة، وقبل ذلك على الجهمية، ويرد فيه كذلك على الكلابية.
وكان العصر الذي ظهر فيه ابن خزيمة رحمه الله قد نشطت فيه الكلابية خاصة في المشرق، وكان لهم كثير من الأئمة، فقد كان هناك بعض الأئمة من أهل الحديث، وفي نفس الوقت يكون على عقيدة ابن كلاب الذي خالف فيها منهج السلف.
وهذا الكتاب اهتم بإثبات الصفات، فهو -مثلاً- يذكر سياق ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن لله عز وجل يدين، وفي إثبات صفة الوجه، وفي إثبات الصفات بشكل تفصيلي، لكن يوجد فيه تكرير، فصفة اليد ذكرها في أكثر من عشرة أبواب، فيذكرها في باب، ثم يأتي في باب آخر فيذكرها، ثم يأتي في باب آخر فيذكرها، وقد كانوا لا يعتنون بالترتيب كما هو منهج البحث العلمي المعاصر الآن، وإنما كانوا كلما وجدوا حديثاً يمكن أن يضعوا له باباً مستقلاً فعلوا ذلك، وقد يكررون لأهمية التكرار في بعض الأحيان.