[الطريق إلى الولاية عند الصوفية]
فأما الطريق إلى الولاية فيكون عندهم عن طريق الرقص, ويسمونه السماع, وعن طريق الاسم المفرد (الله، الله، الله) , وستأتي الإشارة إليه, وعن طريق الضمير: (هو، هو، هو) وهكذا, فيردد الواحد منهم ويقفز ويصيح ويبكي حتى يصل إلى درجة يسمونها الفناء, وستأتي الإشارة إلى الفناء -إن شاء الله- مفصلة.
ويسمونها الاصطلام, ويسمونها السكر, وفي هذه الحالة يغيب هذا الإنسان عن شهود المخلوقات, فلا يشهد إلا الخالق كما يزعمون, ولهذا يقول أبو يزيد البسطامي نفسه: ما في الجبة إلا الله.
ولهم طرق متعددة, وليس لهم طريقة واحدة يسيرون جميعاً عليها, وإنما لهم طرق متعددة يجمعها السماع والغناء والرقص والطبل والحديث عن الحب, والاستفادة من أشعار العشاق مثل مجنون ليلى قيس بن الملوح، وعمر بن أبي ربيعة وغيرهم من الشعراء الذين يتكلمون عن محبوبهم.
فهم يغنون ويطبلون ويصيحون ويصرخون ويرددون هذه الأشعار حتى يغيب الإنسان, فإذا غاب يغيب عن وعيه وعن عقله, فتأتيه أوهام وتأتيه مخاطبات ويسمع كلاماً وهذه مرحلة من المرض النفسي المعروف، وأظن اسمه المنخوليا أو نحو هذا, بحيث يبدأ الإنسان يهذي, ويتكلم بالخرافات ويتكلم بالأوهام.
فهم يتصورون أن الإنسان إذا وصل إلى هذه المرحلة فأن هذه المخاطبات التي تأتيه هي عبارة عن كلام من الله, أو كلام من الرسول, أو يرى كشوفات، فقد يرى أجساماً غريبة ويرى أشخاصاً من جراء التعب والإرهاق, لاسيما أن بعضهم -مثل الحلاج - ذهب إلى الهند في الوقت الذي كان فيه الأئمة من السلف يتنقلون بين البلدان لطلب الحديث, فانتقل الحلاج إلى الهند ورأى عباد الهنود كيف يعملون, وذلك أن أحدهم يقف على رأسه الساعات الطويلة -وهو جائع- في الشمس، فتأتيه حالة الهيستيريا, ويبدأ يصرخ ويأتي بكلام لا معنى له, ويسمون ذلك حقائق لا تقبل الجدل ولا تقبل النقاش, حتى إن أبا حامد الغزالي في الإحياء يقول: إن الكشف إذا عارض نصاً في القرآن أو السنة فإنه يؤول النص الشرعي؛ لأن الكشف لا يقبل التأويل! وفي هذه الحالة تأتيهم الشياطين التي تأتيهم في الحقيقة.
وأبو حامد الغزالي له كتاب اسمه (المضنون به على غير أهله) , وهو دائماً يردد الكلام على الأسرار, ويقول: إن صدور الأحرار قبور الأسرار, وإنه ينبغي على الإنسان أن يحافظ على السر, ويقصد بالسر ما يصل إليه من المكاشفات, وقد يصل إلى الكفر الأكبر المخرج عن الإسلام، والعياذ بالله، فهذه هي الطريق إلى الولاية.
وأما طبقات الأولياء فإن الأولياء عندهم ليسوا على درجة واحدة، بل أعلاهم القطب, والقطب يسمونه الغوث, والغوث هو الذي يغيث من استغاث به.
ويسمون عمل القطب وما يقوم به: الخلافة عن الحق مطلقاً, أي: يكون خليفة عن الله عز وجل مطلقاً.
ولهذا يقولون: لا يصل إلى الخلق شيء من الحق إلا بحكم القطب, أي: لا يصل إلى الناس شيء من الله عز وجل إلا بحكم القطب هذا.
فهم أخذوا فلسفة يونانية عند أفلاطون، وهي أن الإله عندما كان ولا شيء موجود من المخلوقات, كان هذا الإله كاملاً من كل وجه, فلما خلق المخلوقات خلقها وفيها السيئ وفيها الحسن وفيها الرديء وفيها القبيح, ولا يمكن للإله النظيف العظيم أن يتدنس بعلاقته بهذا الخلق تدبيراً وتوجيهاً ونحو ذلك, ولهذا صدر عن الإله ما يسمونه بالعقل الفعال، وهذا العقل الفعال هو الذي يدير شئون الكون.
فهم جاءوا إلى فلسفة أفلاطون فوضعوا الإله في محل الإله في نظرية أفلاطون , وجاءوا بالقطب -وهو أعظم الأولياء عندهم- ووضعوه مكان العقل الفعال, وقالوا: هذا القطب هو الذي يدبر شئون الناس.
وقالوا: إنه لا يمكن أن يكون القطب إلا واحداً، وعندهم أن القطب قسمان: الأول: قطب بشري, وهذا القطب إنسان يعيش حياة الناس, وقد يكون مجهولاً عند بعض الناس, ولهذا فإن بعضهم يقول: إذا دخلت الحرم أو أي مكان من الأماكن التي يكون فيها مساجد ووجدت رجلاً وسخ الثياب قذراً حالته ترثي لها أنت؛ فإنه قد يكون القطب وأنت لا تعلم.
ولهذا توجد طائفة عند الصوفية يسمونهم (الملامية) ويقولون عنهم: إنهم يفعلون الفعل الذي يستقبحه الناس دفعاً للرياء حتى لا يكشفوا أنفسهم.
فالواحد منهم لا يرضى أن يكشف نفسه، إذ يمكن أن يكون القطب, فما هو الحل حتى لا يكشف نفسه؟ الحل هو أن يعمل أعمالاً يستقبحها الناس, فربما يخرج عرياناً أمام الناس, وربما يجده الناس وهو يطأ بهيمة مثلاً, وربما ينام مع الكلاب في المزابل, وهكذا، ويسمونهم الملامية؛ لأن الواحد منهم يفعل الفعل الذي يلام عليه ليدفع عن نفسه نظر الناس واهتمام الناس، فيكون مخلصاً حسب زعمه.
بل إن بعض الصوفية -وهو أحمد الرفاعي الساحر المشهور صاحب الطائفة الرفاعية- قال له تلميذه: يا شيخ! هل أنت القطب؟ فقال: نزه شيخك عن القطبية، يعني: أنا أعلى منها.
فالقطبية التي هي تدبير لشئون الخل