وأما الأمر الثاني فهو أن العبودية أرسل الله تعالى بها جميع الرسل، والآيات الواردة في أن الله عز وجل أرسل جميع الرسل بالعبادة تنقسم إلى قسمين: آيات عامة تشمل جميع الرسل، وآيات مفردة لكل رسول.
فمن الأمثلة على الآيات العامة قول الله عز وجل:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل:٣٦].
وأما الآيات المفردة لكل رسول فمنها قول نوح عليه السلام لما أرسله الله عز وجل إلى قومه:{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف:٥٩]، وكذلك قال هود وصالح وشعيب وغيرهم لأقوامهم، ثم ذكر الآية العامة في هذا الموضوع، وهي قول الله عز وجل:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ}[النحل:٣٦].
وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء:٢٥].
وجعل ذلك لازماً لرسوله إلى الموت، كما قال:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر:٩٩]، فمنهج الرسل جميعاً هو الدعوة إلى عبادة الله عز وجل، ومعنى الدعوة إلى عبادة الله: الدعوة إلى إفراد الله عز وجل بإرادات القلب، مثل: المحبة، والخوف، والرجاء، والاعتماد، والتسليم، والخضوع، ونحو ذلك، وعبادات الجوارح، وعبادات اللسان، وهذا هو محط نظر الدين، ومحط نظر الإسلام، ومحط نظر الشرع، وهو السبب الذي جعل الرسل الكرام رضوان الله عليهم ينكرون على أقوامهم ما هم عليه من الشرك، فإن الأقوام -كما سبق أن أشرت- يقرون بالخلق والرزق والإحياء والإماتة، ونحو ذلك.
فمنهج الرسل في الدعوة إلى الله عز وجل هو أن يبتدئوا أولاً بالدعوة إلى العبادة، وهي أساس العقيدة.