[اختصاص الله تعالى بالحسب ومعنى قوله: (يا أيها النبي حسبك الله) وبيان انحراف الشيعة في معناها]
وأما الحسب -وهو الكافي- فهو لله وحده، كما قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:١٧٣].
ومما يدل على أن الحسب -وهو الكفاية والتوكل على الله- يجب أن يكون لله فقط قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:٦٤].
يعني: حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين، وليس المقصود من هذه الآية أن المؤمنين أيضاً حسبك، فلا يمكن أن يصلح هذا المعنى؛ لأن الحسب عبادة، فيجب أن تكون لله فقط.
يقول في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:٦٤] أي: حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين الله، يعني: كافيك وكافي المؤمنين أيضاً هو الله، ومن ظن أن المعنى: (حسبك الله والمؤمنون معه) فقد غلط غلطاً فاحشاً كما قد بسطناه في غير هذا الموضع.
فالشيخ رحمه الله بسط الكلام في هذه الآية في كتاب (منهاج السنة النبوية في الرد على الرافضة القدرية)، وهذا الكتاب ألفه في الرد على كتاب اسمه: (منهاج الكرامة) لـ ابن المطهر الحلي، وقد استدل ابن المطهر الحلي على إمامة علي بن أبي طالب بهذه الآية، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:٦٤] فإنه قال: البرهان الرابع والعشرون يعني: من الأدلة على أن علي بن أبي طالب هو الإمام وليس أبا بكر - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:٦٤]، يقول: فقد ثبت من طريق أبي نعيم قال: نزلت في علي.
وهذه فضيلة لم تحصل لأحد من الصحابة غيره، فيكون هو الإمام.
ولا شك في أن هذا الفهم فهم أعوج، وقد أبطله شيخ الإسلام في صفحات طويلة في هذا الكتاب، وسبب ذلك -كما أشار الشيخ نفسه- أنه قال: إن معنى قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:٦٤] يعني: حسبك الله وحسب المؤمنين أيضاً الله عز وجل.
فيقول: وقد ظن بعض الغالطين أن معنى الآية أن الله والمؤمنين حسبك، ويكون قوله: {وَمَنِ اتَّبَعَكَ} [الأنفال:٦٤] مرفوعاً عطفاً على الله، أي: حسبك الله والمؤمنون أيضاً حسبك.
وهذا خطأ قبيح مستلزم للكفر، فإن الله وحده حسب جميع الخلق، كما قال الله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:١٧٣] أي: الله وحده كافينا كلنا، فكل من النبيين قال: (حسبي الله)، فلم يشرك بالله غيره في كونه حسبه، فدل على أن الله وحده حسبه ليس معه غيره.
ثم ذكر مجموعة من الآيات، وكرر بعض الكلام المذكور، مثل أن الرغبة لله فقط، وأن الحسب له أيضاً فقط، ثم قال: وكذلك التحسب الذي هو التوكل على الله وحده، فلهذا أمروا أن يقولوا: (حسبنا الله)، ولا يقولوا: (ورسوله) كما في الآية السابقة، فإذا لم يُجدِ أن يكون الله ورسوله حسب المؤمن فكيف يكون المؤمنون مع الله حسباً لرسوله؟! يشير إلى المعنى الذي سبق معنا، وهو قول الله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} [التوبة:٥٩] فلم يقل في الآية: ورسوله.
أي: فإذا كان الله عز وجل ذكر عن المؤمنين أنهم قالوا: (حسبنا الله)، ولم يشركوا الرسول في الحسب وهو رسول الله، فكيف يكون معنى قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:٦٤] أن المؤمنين حسب للرسول وهو أفضل منهم بلا شك؟! وأيضاً: فإن المؤمنين محتاجون إلى الله كحاجة الرسول إلى الله، فلابد لهم من حسب، ولا يجوز أن تكون معونتهم وقوتهم من الرسول وقوة الرسول منهم، فإن هذا يستلزم الدور، بل قوتهم من الله إلى أن يقول: فهذا كقوله: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال:٦٢ - ٦٣]، فإنه هو وحده المؤيد للرسول بشيئين: أحدهما: نصره، والثاني: بالمؤمنين، وهناك قال: {حَسْبَكَ اللَّهُ} [الأنفال:٦٢] إلى قوله: وإذا تبين هذا فهؤلاء الرافضة رتبوا جهلاً على جهل، فصاروا في ظلمات بعضها فوق بعض، فظنوا أن قوله: {حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:٦٤] معناه أن الله ومن اتبعك من المؤ