للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[طمع العبد في فضل الله ورحمته ورجاؤه له من كمال عبوديته له]

قال: [وكلما قوي طمع العبد في فضل الله ورحمته، ورجائه لقضاء حاجته، ودفع ضرورته، قويت عبوديته، وحريته مما سواه، فكما أن طمعه في المخلوق يوجب عبوديته له، فيأسه منه يوجب غنى قلبه عنه، كما قيل: استغن عمن شئت تكن نظيره، وأفضل على من شئت تكن أميره].

يعني: إذا استغنيت عن شخص حتى لو كان يملك نصف الكرة الأرضية تكن نظيره، أي: مثله؛ لأنك لا تحتاجه في شيء أبداً، يعني: تخيل أن شخصاً يملك نصف الكرة الأرضية، وأنت ليس عندك شيء، لكنك مستغن عنه لا تريده، فإنك تكون مثله؛ لأنك لا تحتاج منه شيئاً، ولا تريد من دنياه شيئاً، ولا تريد مما عنده شيئاً، ولا تريد من مناصبه شيئاً، ولا تريد منه أي شيء.

قال: [وأفضل على من شئت تكن أميره].

يعني: إذا أفضلت على شخص تكون أنت أميراً له، حتى لو كان هو أميراً، يعني: على عدد كبير من الناس، ما دام أنت تفضي عليه وتعطيه فأنت أميره.

ولهذا تلاحظ أن العطاء أفضل من الأخذ بالنسبة للخلق، فينبغي للإنسان أن يكون عطاؤه أكثر من أخذه، أو أن يعطي ولا يأخذ، ويتعلق بالله عز وجل في أخذه، فإذا وصلت إلى ذلك بلغت درجة عالية جداً في العبودية، وإذا أردت شيئاً التجأت إلى الله، وتأخذه من الله حتى ولو كان فيما في أيدي الناس، فإن المعطي هو الله إذا التجأت إليه.

قال: [واحتج إلى من شئت تكن أسيره].

أي: إذا احتجت إلى أحد تكون أسيراً في يده.

قال: [فكذلك طمع العبد في ربه، ورجاؤه له يوجب عبوديته له، وإعراض قلبه عن الطلب من الله، والرجاء له، يوجب انصراف قلبه عن العبودية لله، لاسيما من كان يرجو المخلوق ولا يرجو الخالق، بحيث يكون قلبه معتمداً، إما على رئاسته وجنوده وأتباعه ومماليكه، وإما على أهله وأصدقائه، وإما على أمواله وذخائره، وإما على ساداته وكبرائه كمالكه، وملكه، وشيخه، ومخدومه وغيرهم ممن هو قد مات أو يموت].

مالكه المقصود به: الحاكم، وشيخه المقصود به: العالم، ومخدومه المقصود به: الخادم الذي ينتفع به في أغراضه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} [الفرقان:٥٨]، وكل من علق قلبه بالمخلوقين أن ينصروه أو يرزقوه أو أن يهدوه، خضع قلبه لهم، وصار فيه من العبودية لهم بقدر ذلك.

وإن كان في الظاهر أميراً لهم، مدبراً لأمورهم، متصرفاً بهم].

يخبر ابن تيمية رحمه الله أن الحاكم أحياناً يكون عبداً لمن يحكمه، وذلك لو أن خادمه غضب عليه وتركه، لبقي في حيرة لا يدري ماذا يعمل، وكالحاكم الذي يحتاج إلى جنوده الذين يقيمون له دولته.

فلو انصرفوا عنه أو صار عليه انقلاب فقد كل شيء بالنسبة لديه.

<<  <  ج: ص:  >  >>