قال:[ومن أعظم أسباب هذا البلاء: إعراض القلب عن الله؛ فإن القلب إذا ذاق طعم عبادة الله والإخلاص له لم يكن عنده شيء قط أحلى من ذلك ولا ألذ ولا أطيب].
وكم فقد هؤلاء المساكين هذه المتعة وهذه اللذة بمحبة الله عز وجل، وكم عاشوا في شقاء وتعاسة بهذا التعلق بالمخلوق، سواء كان تعلق جمال، أو تعلق دنيا، أو أي نوع من أنواع التعلق.
فالحقيقة أن كثيراً من الناس لم يذق طعم محبة الله عز وجل، وكما قال العلماء: كل من أحب شيئاً من المخلوقين عذب به إلا إذا أحب الله سبحانه وتعالى، فإنه يجد المتعة والسعادة والسرور، والتجربة تدل على ذلك فضلاً عن الدلائل الشرعية الكثيرة، ولهذا جاء في الحديث:(ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان)، والحلاوة: هي الطعم، سواء كان في اللسان، أو في غيره، فحلاوة العين بالمنظر الحسن، وحلاوة الأذن بالصوت الحسن، وحلاوة القلب بالراحة والطمأنينة والسعادة، قال:(ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار).
فالثلاثة العناصر كلها تدور حول الحب والبغض، وهذا يدل على أهمية مسألة الحب والبغض، وفي الحديث:(أوثق عرى الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله)، والمحبة: هي الولاء وما يترتب عليها من عمل، وما يترتب على البغض من عمل هو البراء، ولهذا فالذين يحاولون تجهيل الناس بآيات الولاء والبراء ويحذفونها من المناهج يجب عليهم أن يخافوا الله سبحانه وتعالى، فإنها أساس في العقيدة، وتجهيل الناس في هذا الباب من أعظم الأمور الخطيرة على أديان الناس.
قال:[والإنسان لا يترك محبوباً إلا بمحبوب آخر يكون أحب إليه منه، أو خوفاً من مكروه، فالحب الفاسد إنما ينصرف القلب عنه بالحب الصالح، أو بالخوف من الضرر].
وقد شبه ابن القيم رحمه الله هذا الموضوع بالإناء، وقال: إن الإناء بحسب ما وضع فيه، إذا وضعت فيه مادة فاسدة فإنه يكون ممتلئاً بها، فإذا وضعت فيه مادة صالحة بقدر هذه المادة الداخلة فإنها تخرج المادة الفاسدة، حتى إذا استكمل القلب، وأصبح مليئاً بالمادة الصالحة، خرجت المادة الفاسدة.
ولهذا فالقلوب ثلاثة أنواع: قلب ميت: وهو الممتلئ بالفساد.
وقلب صحيح: وهو الممتلئ بالصلاح.
وقلب مريض: وهو المخلوط.
فهناك مادتان: مادة فساد ومادة صلاح، والقلب المريض ليس ميتاً ولا صالحاً، وهذا هو قلب الفاسق.