يقول: [وربما تأولوا على ذلك قوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر:٩٩]].
فإنهم فسروا (اليقين) بالعلم، فظنوا أن اليقين هو العلم، فكأنهم فهموا أن الآية معناها: واعبد ربك حتى يأتيك العلم، والعلم يحصل عن طريق الكشوفات التي تحصل له، وعن طريق الأوراد، فإذا وصل إلى العلم قالوا: إن الله عز وجل أمر بالعبادة إلى غاية محددة، فقال:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر:٩٩]، و (حتى) من معانيها الغاية، وفهموا (اليقين) بأنه العلم، فقالوا: اعبد الله حتى يأتيك العلم.
ومتى يأتيك العلم؟ يأتيك العلم إذا توصلت إليه عن طريق الأوراد التي توصلك إلى الكشوفات فتصير من الخاصة، وحينئذ تسقط عنك العبادة هكذا فهموا، وهو فهم ضال منحرف، وإنما المقصود باليقين في قوله تعالى:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر:٩٩] هو الموت ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عن عثمان بن مظعون: (أما هذا فقد جاءه اليقين من ربه) يعني: جاءه الموت، فسمى الموت اليقين، فمعنى:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر:٩٩] اعبد الله عز وجل حتى تموت، ولهذا فإن الأنبياء وصلوا غاية العلم وما سقطت عنهم التكاليف، فلما عرض على هؤلاء الضالين هذا القول - وهو أن الأنبياء وصلوا إلى غاية فما سقطت عنهم التكاليف - قال: الأولياء أفضل من الأنبياء! حتى قال بعضهم: مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي فعندهم أن النبوة أقل من الولاية، والولاية أعظم منها، هكذا يتصورون.