والفطرة: هي ميل القلب إلى الله، ومحبته له، وهذا أمر مخلوق فيه، ومعنى كلمة فطرة: خلقة؛ ولهذا قال ابن عباس: لم أكن أعلم ما معنى فاطر حتى سمعت رجلاً من العرب يقول: أنا فطرتها -أي: البئر- قبله، يعني: أنا ابتدأتها وأنشأتها قبله.
قال: [والقلب خلق يحب الحق ويريده ويطلبه، فلما عرضت له إرادة الشر طلب دفع ذلك، فإنها تفسد القلب كما يفسد الزرع بما ينبت فيه من الدغل، ولهذا قال تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[الشمس:٩ - ١٠]، وقال تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}[الأعلى:١٤ - ١٥]، وقال:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ}[النور:٣٠].
وقال تعالى:{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا}[النور:٢١]، فجعل سبحانه غض البصر وحفظ الفرج هو أقوى تزكية للنفس، وبين أن ترك الفواحش من زكاة النفوس، وزكاة النفوس تتضمن زوال جميع الشرور، من الفواحش والظلم والشرك والكذب وغير ذلك].
هذا يدل على أهمية تزكية النفس وتصفيتها وتهذيبها من كل الأدران السيئة وتغذيتها وتقويتها وتنميتها بالإيمان والعمل الصالح.
وأهل السنة والجماعة كما أن لهم منهجاً راشداً وصحيحاً ومبنياً على الكتاب والسنة في باب الأسماء والصفات فهم كذلك لديهم منهج راشد وصحيح ومبني على الكتاب والسنة في مجال السلوك والتعبد والأخلاق والآداب، وقد مرت فترة طويلة على كثير من المنتسبين إلى السنة بسبب المؤلفات التي ألفت في العقيدة، وأن اتجاهها كان إلى مناقشة قضايا الأسماء والصفات، فظن كثير من المنتسبين إلى السنة أن محور العقيدة فقط الأسماء والصفات، بينما عقيدة أهل السنة والجماعة شاملة لكل حياة الإنسان، لأنها هي حقيقة الإسلام الصحيح مطابقة، فيشمل سلوك الإنسان، ويشمل سياسة الدنيا بهذا المنهج، ويشمل المال وتدبيره، وهكذا جميع حياة الإنسان.