يقول:[وسبب ذلك أنه ضاق نطاقهم عن كون العبد يؤمر بما يقدر عليه خلافه، كما ضاق نطاق المعتزلة ونحوهم من القدرية عن ذلك].
ففي بعض الأحيان يكون أساس شبهة فرقتين متناقضتين واحداً، فقد تجد فرقتين متناقضتين أخذت كل واحدة منها شطراً ومكاناً آخر، وتجد أن المنبع والمنبت واحد عند الجميع، وهذا ما حصل عند القدرية وعند الجبرية، فالقدرية نفوا كتابة الله عز وجل لمقادير العباد، والجبرية أثبتوها إلى درجة إبطال الأمر والنهي، وجعلوا العباد مجبورين، والأساس واحد، وهو أن هؤلاء وهؤلاء لم يفهموا كيف أن الله عز وجل يقدر على العبد الشقاوة ثم يأمره بتحصيل السعادة شرعاً، فيقولون: لا يمكن أن يقدر الله عز وجل على عبد شيئاً ثم يأمره بخلافه، وحينئذ جاءت المعتزلة فقالت: ما دام أنه لا يمكن أن يقدر الله عز وجل على العبد شيئاً ثم يأمره بخلافه فمعنى هذا أنه ما قدر شيئاً، وإنما أمره بتحقيق السعادة، والعبد هو الذي يخرج عن نطاق هذا الأمر ويقع في المعصية.
وجاءت الجبرية فقالوا: لا، بل العبد ليس له فعل، وإنما الله عز وجل هو الذي قدر عليه، وأساس منبت الشبهة واحد كما أشار إليه الشيخ، وهذا يحصل عند كثير من الفرق الضالة.
ففي مسألة الإيمان تجد أن الخوارج والمرجئة مذاهبهم متعارضة ومتناقضة، وأساس شبهتهم واحدة، فالخوارج يكفرون من ترك جزءاً يسيراً من العمل، كمن ترك صلة الرحم مثلاً، ومن ترك صلة الرحم كافر عند الخوارج، وعند المرجئة أنه لو ترك جميع الأعمال فليس بكافر، فانظر إلى الفرق، وأساس الشبهة واحدة عند هؤلاء وعند هؤلاء، وهي أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فلما تقرر عند الخوارج أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص قالوا: إذا ذهب جزؤه ذهب كله، والعمل جزء منه، فقالوا بعقيدتهم الفاسدة، وجاءت المرجئة فقالوا: ما دام أنه لا يزيد ولا ينقص فالعمل لا يدخل فيه مطلقاً، وإنما حقيقته التصديق فقط، وحينئذ وصلوا إلى العقائد التي توصلوا إليها، فبعض الأحيان يكون أساس الشبهة واحداً ثم كل طائفة تتجه إلى طرف غير الطرف الذي تتجه إليه الطائفة الأخرى.