للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المعرفة بالحق دون الاستجابة له لا تكفى في الإيمان]

يقول الشيخ: [فالمعرفة بالحق إذا كانت مع الاستكبار عن قبوله والجحد له كان عذاباً على صاحبه].

أي: أن مجرد المعرفة بأنه يجب الخضوع لله عز وجل، وأنه هو رب كل شيء ومليكه من دون عبادة ومن دون عمل، بل مع الاستكبار -يعني: الرفض للعبادة العملية- عن قبوله والجحد له عذاب على صاحبه، كما قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا} [النمل:١٤] يعني: آل فرعون جحدوا بالمعجزات التي جاء بها موسى عليه السلام، قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل:١٤].

وقال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:١٤٦] يعني: لا تنقصهم المعرفة، فالمعرفة موجودة، لكن تنقصهم العبادة والعمل، وهذا يدل على أن المعرفة لا تكفي في الإيمان، بل لابد معها من العمل، قال تعالى: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:١٤٦] يعني: يعرفون أنهم يكتمون الحق.

وقال تعالى: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ} [الأنعام:٣٣] يعني: لا يكذبونك في الحقيقة، بل يعترفون بأنك صادق، وأنك على حق: {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:٣٣] يعني: يجحدون علواً واستكباراً.

ولهذا جاء حبران إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالا له: نشهد أنك رسول الله.

والمرجئة يقولون: ما بعد هذا إيمان؛ حيث وقع منهما أول شيء تصديق بالقلب، ثم نطق باللسان.

لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قبل إسلامهما، وإنما قال: (وما يمنعكما أن تتبعاني) يعني: لماذا لا تلتزمان بما قلتما وهو الشهادة لي بأني رسول الله، وبما يترتب على ذلك من الأعمال القلبية وأعمال الجوارح؟ فقالا: تقتلنا اليهود.

فلم يقبل عذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الإنسان لا يعذر في قبوله للإسلام قبولاً قلبياً بمثل هذا العذر، ولهذا فإن هرقل لما جمع الروم في دسكرة واحدة قال لهم: هل لكم في النجاة؟ هل لكم في الفلاح؟ إنه رسول الله، فحاصت الروم كما تحوص الحمر، واتجهوا إلى الأبواب من أجل أن يقاتلوه، فلما يئس عدوا الله من الإسلام قال: ردوهم علي.

فلما اجتمعوا له قال لهم: إنما كنت أختبر التزامكم بدينكم.

فمات على الشرك، مع أنه قال لـ أبي سفيان: والله لو أنني أخلص إليه -يعني: لو استطعت مقابلة هذا الرسول- لغسلت عن قدميه وشربت ماءهما.

فأي إيمان أكثر من هذا الإيمان؟! لكن هل نفعه هذا؟ ما نفعه، فلابد من الإيمان مع عمل القلب ومع عمل الجوارح ومع الالتزام بدين الله سبحانه وتعالى، وإلا فمجرد التصديق ليس من الإيمان.

يقول: فإن اعترف العبد أن الله ربه وخالقه، وأنه مفتقر إليه محتاج إليه؛ عرف العبودية المتعلقة بربوبية الله، وهذا العبد يسأل ربه فيتضرع إليه ويتوكل عليه، لكن قد يطيع أمره، وقد يعصيه، وقد يعبده مع ذلك، وقد يعبد الشيطان والأصنام، يعني: فلا تنفعه عبادته.

<<  <  ج: ص:  >  >>