ذكر الشيخ ست نقاط تتعلق بأهمية العبادة، الأولى: أن العبادة هي الغاية المحبوبة له، والمرضية له، واستدل عليها بآية الذاريات:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:٥٦]، وهذا يذكرنا بالكلام في توحيد الألوهية.
والأهمية الثانية: قوله: وبها أرسل جميع الرسل، فموضوع دعوة جميع الرسل هو العبادة، ولهذا أول واجب على المكلف هو العبادة لله عز وجل، خلافاً لقول أهل الكلام أن أول واجب هو النظر أو القصد إلى النظر، أو المعرفة، أو الشك كما قال بعضهم، وكل هذا لا قيمة له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل معاذاً إلى اليمن قال:(إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)، وفي رواية البخاري:(فليكن أول ما تدعوهم إليه: أن يوحدوا الله)، وفي لفظ آخر:(إلى أن يعبدوا الله)، وهذا يدل على أن العبودية أول واجب على المكلف، وذكر مجموعة من الآيات الدالة على هذا الموضوع وهي كثيرة.
والثالثة قال: وجعل ذلك لازماً لرسوله إلى الموت، فالعبودية ملازمة لأفضل الناس وهو الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الموت، وهذا يدل على أنه لا يمكن أبداً أن يأتي فترة يكون الإنسان فيها قد سقط عنه التعبد، وهذا فيه رد على الصوفية -كما سيأتي بيانه- الذين قالوا: إنه قد يصل الإنسان من خلال التعبد إلى مرحلة تسقط عنه التكاليف، وهذا خطأ كبير، فإن التكاليف لم تسقط عن أفضل الناس وهم الرسل الكرام فضلاً عن غيرهم، يقول الله عز وجل:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر:٩٩]، وكل المفسرين يفسرون اليقين أنه الموت إلا الصوفية، فإنهم يفسرون اليقين بأنه بلوغ درجة في التعبد تسقط عنه التكاليف، وهذا قول شاذ مخالف لقول علماء الأمة الإسلامية.
الرابعة: وصف أفضل الخلق بالعبادة وهم الملائكة والأنبياء، وهذا يدل على أن العبادة وصف شريف، فأشرف المخلوقات وهم الأنبياء والملائكة، بالعبادة وصفوا.
الخامسة: قوله: وقد نعته الله بالعبودية في أكمل أحواله، يعني: نعت النبي صلى الله عليه وسلم في أكمل أحواله، في مقام الدعوة، وفي مقام التحدي، وفي مقام الإيحاء، وفي مقام الإسراء، وهذه مقامات عظيمة وصفه الله عز وجل بالعبودية في هذه المقامات، وهذا يدل على أهمية هذه القضية من قضايا العقيدة، وأنها تعتبر أساساً من أسس الدين ومن أصوله.