[تعلق أهل الأهواء بأهوائهم]
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: [قيل لـ سفيان بن عيينة: ما بال أهل الأهواء لهم محبة شديدة لأهوائهم؟! فقال: أنسيت قوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} [البقرة:٩٣] أو نحو هذا الكلام].
يقول: هذه فتنة، وهي أن الإنسان يتعلق بهواه كما أشرب أهل العجل العجل بكفرهم، أو نحو هذا من الكلام.
قال: [فعباد الأصنام يحبون آلهتهم، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥]].
يعني: أشد محبة لله من محبة المشركين لأصنامهم، فالمشركون يحبون أصنامهم، ومحبتهم لأصنامهم محدودة، ومحبة المؤمنين لله عز وجل أكثر من محبة هؤلاء لأصنامهم, فأثبت في الآية أن المشركين يحبون أصنامهم، وذلك بسبب هذا الابتلاء، وهو أنهم أشربوا في قلوبهم هذه البدع.
[وقال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص:٥٠]، وقال: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ} [النجم:٢٣] يعني: ما ترغبه، {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم:٢٣].
ولهذا يميل هؤلاء ويغرمون بسماع الشعر والأصوات والآلات الموسيقية التي تهيج المحبة المطلقة التي لا تختص بأهل الإيمان، بل يشترك فيها محب الرحمن، ومحب الأوثان، ومحب الصلبان، ومحب الأوطان، ومحب الإخوان، ومحب المردان، ومحب النسوان، وهؤلاء هم الذين يتبعون أذواقهم ومواجيدهم من غير اعتبار لذلك بالكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة].
وهذا مشاهد، فالحضرات عند الصوفية فيها رقص، وصياح، وعويل، وبكاء، وترديد الأشعار التي تكون في المحبة وفي العشق وفي الغرام وفي الهجران، كقوله: بنا وبنتم فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا ويحاولون أن يأتوا بالأبيات التي يكون فيها نوع من البعد والأسى والحرقة, وهذا شغل المغنين.
فالمغنون يغنون بأن الهجران مؤلم، وأنهم يلقون التعب لعدم اللقاء بالمحبوب ونحو ذلك، ويغنون على هذه الطريقة.
لكن بعض الصوفية يحاول أن يجعل المقصود بذلك الله سبحانه وتعالى, تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، وهذا لا يعني أننا لا نثبت المحبة لله عز وجل، بل المؤمن يحب الله سبحانه وتعالى، وهذا ما سبق أن بينه الشيخ حيث قال: إن لأهل السنة ذوقاً ووجداً ومحبة خاصة تكون مرتبة على الإيمان بالله، كما في الحديث: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً).
فالرضا من أعمال القلب الإيمانية يورث هذا الذوق الرفيع عند الإنسان والمحبة الصادقة لله عز وجل، وكذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)، وهذا غاية التوحيد، وهو أن يكون الله عز وجل ورسوله هو المحبوب إليه، ولهذا لا يقدم كلام أحد على كلامه، ولا تفسره حسب هواك.
والتوحيد والإيمان والتقوى توصل الإنسان إلى هذا الذوق الصحيح، لكن الرقص والطبل والغناء الذي عليه عامة الصوفية في عامة البلاد الإسلامية هو الذي يورث هذه الوجدانيات العامة التي ليست محددة لجهة معينة، فمحب النسوان ومحب المردان كل منهما يتكلم في الهوى والحب، ومحب الأوطان -كما ذكر الشيخ- ومحب الصلبان كل منهما يتكلم في الهوى والحب، وهؤلاء يتكلمون في الهوى والحب، فهؤلاء هواهم عام ليس محدداً ولا موجهاً، ولهذا يميل هؤلاء.