سبق أن أشرت في بداية الكلام على العبادة أن العلماء رحمهم الله اختلفوا في أفضل العبادات، فبعضهم قالوا: أفضل العبادات هي أشقها.
يعني: أكثرها مشقة، واستدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة:(أجرك على قدر نصبك) وبعضهم قال: إن أفضل العبادات هي العبادة التي يكون فيها نفع متعد إلى الناس، واستدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم:(خير الناس أنفعهم للناس)، وبعض العلماء قال: إن أفضل العبادات هي الجهاد في سبيل الله؛ لأن الجهاد فيه تضحية عظيمة جداً، وهي أن يبذل الإنسان نفسه -وهي أغلى ما يملكه الإنسان- في سبيل الله عز وجل، كما قيل: يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أغلى غاية الجود والصحيح هو أن أفضل العبادات: العمل على مرضاة الله عز وجل في كل وقت بما يناسبه، فإذا كان الوقت وقت صلاة فأفضل العبادات جمع الهم للصلاة، وإذا كان الوقت وقت إكرام ضيف فأفضل العبادات أن تكرم هذا الضيف بالابتسامة والاحتفاء والاجتهاد في إكرامه بقدر ما تستطيع، وإذا كان الوقت وقت درس علمي فينبغي عليك أن تجتهد في الاستحضار في الفهم وفي الكتابة وفي التدوين وفي الحفظ، وإذا كان الوقت وقت بر الوالدين فإنه يجب عليك أن تجتهد في برهما، وإذا كان الوقت وقت دعوة إلى الله عز وجل فإنه يجب أن تكون قوياً جداً في نشاطك وعملك وبذلك في الدعوة إلى الله عز وجل، فتكون بهذه الطريقة شخصية كاملة، لكن إذا خلط الإنسان، كأن تذكر أثناء الدرس أنه ما ذكر الله عز وجل بعد صلاة العشاء، فألقى الدرس وبدأ يذكره وقال: إن أفضل العمل الذكر، وبدأ يتذكر الأحاديث والآيات الواردة في فضل الذكر ونسي الدرس؛ فهذا خطأ، وكذلك لو أن شخصاً تذكر وهو في الصلاة دعوة مثلاً، فقال: إن فلاناً ما مررت به، وهو قريب من الالتزام، فبالإمكان أن يلتزم، فبدأ يفكر أثناء الصلاة: كيف يمر به؟ ومتى يمر به؟ حتى انتهى من صلاته ولم يحفظ منها شيئاً، فهذا خطأ، وبعض الناس قد يتعلق بموضوع مثل موضوع الجهاد في سبيل الله مثلاً فتجد أنه في فترة ما عنده تكون قدرة على الجهاد، فتجد أنه يشتغل بترداد هذه الفكرة فقط، وقد يهمل قراءة القرآن، وقد يهمل التسبيح، وقد يهمل طلب العلم، وقد يهمل الدعوة إلى الله عز وجل ونصح المسلمين، فتجد أنه مشغول بفكرة واحدة معينة هي التي سيطرت على ذهنه، وقد يكون مفرطاً في كثير من الأعمال الصالحة بسبب أنه سيطرت عليه فكرة واحدة، وهي التي صارت محور حياته جميعاً.
والواجب: أن يكون الإنسان عاملاً على مرضاة الله عز وجل بما يناسب، فأفضل الأعمال هو العمل الصالح في وقته.
تلك هي خلاصة الكلام على موضوع الإيمان بالقدر، والفرق المنحرفة فيه.