وسبق أن تحدثنا عن تأويل الصوفية لقوله سبحانه وتعالى:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر:٩٩]، وأنهم فسروه تفسيراً بعيداً كل البعد عن منهج السنة، حيث قالوا: إن معناه: اعبد الله عز وجل حتى يسقط عنك التكليف، فإذا عبدت الله عز وجل سنين طويلة، ثم وصلت إلى الكشوفات سقط عنك التكليف، وهذا فهم باطل لكتاب الله عز وجل؛ فإن المقصود باليقين الموت، فقوله تعالى:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر:٩٩]، يعني: حتى يأتيك الموت.
ولهذا فإن أفضل الناس عبادة هم الرسل الكرام، ولم يسقط عنهم التكليف، والرسول صلى الله عليه وسلم الذي ربى أصحابه على يديه وعبدوا الله عز وجل في حياته لم يصل أحد منهم إلى هذا اليقين الذي زعموه، فلم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ أبي بكر: سقط عنك التكليف، فلا تعمل شيئاً، ولم يقل لـ عمر ولا لـ عثمان ولا لـ علي بن أبي طالب ذلك، وهؤلاء هم أفضل الصحابة على الإطلاق.
فإذاً: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات ولم يسقط عن أحد من أصحابه التكليف الذي ظنوه اليقين في الآية، فكيف يأتي هؤلاء بهذه البدعة المنكرة المخالفة لأصول الشريعة من أساسها؟! وهكذا أهل الكلام في مسائل العقليات يؤولون النصوص ويلعبون بها، فمثلاً: إذا استدل عليهم مثبت الصفات من أهل السنة بقوله سبحانه وتعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥]، قالوا: معناها: (استولى)، مع أن (استوى) إذا جاءت معداة بـ (على) فإنه لا يكون معناها: الاستيلاء، وإنما يكون معناها: الارتفاع والعلو، كما يليق بجلاله سبحانه وتعالى، ثم إنهم يحارون مع بعض الآيات الأخرى، مثل قول الله عز وجل:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}[الأعراف:٥٤] فهل المعنى: ثم استولى على العرش؟! أي: قبل أن يستولي عليه كان العرش خارجاً عن ملكه؟! إذاً: هذا تأويل باطل للنصوص الشرعية.
وهكذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله العلاقة الفكرية بين الصوفية وبين أهل الكلام، وأن الجميع يتفقون في عدم الأخذ من النصوص الشرعية أخذاً مستقيماً.
يقول الشيخ:[وأصل كل ضلال من ضل إنما هو بتقديم قياسه على النص المنزل من عند الله، وتقديم اتباع الهوى على اتباع أمر الله عز وجل].