[وجوه الشبه بين المشركين والجبرية من الصوفية ونحوهم]
ووقف الحديث عند تشبيه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لهؤلاء بالمشركين، فإنه -رحمه الله- قال: [فلا ريب أن المشركين الذين كذبوا الرسل يترددون بين البدعة المخالفة لشرع الله، وبين الاحتجاج بالقدر على مخالفة أمر الله، فهؤلاء الأصناف فيهم شبه من المشركين؛ لأنهم إما أن يبتدعوا، وإما أن يحتجوا بالقدر، وإما أن يجمعوا بين الأمرين، كما قال تعالى عن المشركين:{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[الأعراف:٢٨]].
وطريقة شيخ الإسلام ابن تيمية هذه -وهي تشبيه هؤلاء وأعمال هؤلاء بالمشركين - طريقة كررها كثيراً، ومن الأماكن التي شرح فيها هذا التشبيه كتابه العظيم (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) فإنه في هذا الكتاب بين بعض خصال المشركين ومشابهة الفرق الضالة لها.
وخصال المشركين من أعظم من جمعها في كتاب واحد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فإن له رسالة اسمها:(مسائل الجاهلية) أو (المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الجاهلية) أو أهل الجاهلية، وهذا الكتاب جمع فيه مسائل كثيرة من صفات الجاهلية، وبين مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم لها جميعاً، وقد شرح هذه المسائل الشيخ محمود شكري الألوسي، وشرحها كذلك في رسالة ماجستير الشيخ يوسف السعيد في مجلدين، ويعتبر هذا الشرح الأخير من أفضل الشروح التي شرحت بها هذه الرسالة، فإنه يأخذ المسألة من مسائل الجاهلية ثم يذكر وجودها عند المشركين إما من أخبار القرآن بذلك أو من إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، أو وجودها في أشعارهم أو في أقوالهم المأثورة، وأمثالهم المشهورة، ثم بعد أن يقرر وجود هذه الخصلة عندهم يبدأ يذكر من شابه المشركين في هذه الخصلة من الفرق المنتسبة إلى الإسلام، ثم بعد ذلك ينظر إلى الواقع المعاصر ويحاول أن يربط بين هذه الخصلة والواقع المعاصر الذي نعيش فيه، وقد بذل جهداً ممتازاً في شرحه لهذا الكتاب، وهو من أفضل الشروح.
فالشيخ هنا شبه هذه الطائفة بخصلتين من خصال الجاهلية، الخصلة الأولى: الابتداع.
والخصلة الثانية: الاحتجاج بالقدر.
فأما الابتداع فإنه الإحداث، ونسبة هذا الإحداث إلى الله عز وجل أو إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه واضحة في الآية، فالمشركون إذا فعلوا فاحشة {قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا}[الأعراف:٢٨]، وهذه بدعة؛ لأنهم أحدثوا الفاحشة ثم نسبوها إلى الله سبحانه وتعالى، وهذه النسبة هي الابتداع في أكمل صوره وأوضحها، فرد الله عز وجل عليهم فقال:{قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[الأعراف:٢٨]، ولهذا فإن من وقع في البدعة فقد شابه المشركين في هذه الخصلة وهي خصلة الابتداع، فأول من ابتدع هم هؤلاء المشركون.