وهذا المثل وقع في حكاية للأصمعي قال: بينما أنا بحمى ضربة إذ وقف عليَّ غلام من بني أسد في أطمار ما ظننته يجمع بين كلمتين. فقلت: ما اسمك؟ قال: حريقيص. فقلت: أما كفى أهلك إن يسمونك حرقوصا حتى ضغروا اسمك؟ فقال: إنَّ السقط يحرق الحرج. فعجبت من جوابه فقلت: أتنشدنا شيئا من أشعار قومك؟ قال: نعم، أنشدك لمرازنا قلت: افعل. قال:
سكنوا شبيثا والاحص وأصبحوا ... نزلت منازلهم بنو ذيبانِ
وإذا يقال أتيتم لم يبرحوا ... حتى تقيم الخيل سوق طعانِ
وإذا فلان مات عن أررومةٍ ... رفعوا معاوز فقده بفلانِ
قال. فكادت الأرض تسوخ بي لحسن إنشاده الشعر. فأنشدت الرشيد هذه الأبيات فقال: يا أصمعي، وددت لو رأيت هذا الغلام فكنت أبلغه أعلى المراتب! ومعنى المثل أنَّ الأمر الصغير قد يصير إلى أعظم، والرجل المستحقر قد يغني غناء المستعظم، بل الواحد قد يقوم مقام الجم. ومن هذا قول القائل:
لا تحقرن صغيراً في تقلبه ... إنَّ البعوضة تدمي مقلة الأسدِ
وللشرارة نارٌ حين تضرمها ... وربما أضرمت ناراً على بلدِ
وقال الآخر:
أرى خلل الرماد وميض نارٍ ... ويوشك أنَّ يكون لها ضرامُ