وكأنه اعتبر هنا المعنى المقصود فقط دون السن. وتمثل بهذين البيتين يزيد حين ماتت جارية حُبابة في القصة المشهورة.
ومن الأمثال العامية في هذا الباب قولهم:" إذا أراد الله إهلاك النملة جعل لها أجنحة تطير بها "، يضرب للمتسبب سببا يعطب به، لأن الطير يصيدها إذا طارت. وإلى هذا المثل أشار أبو العتاهية بقوله:
وإذا استوت للنمل أجنحةٌ حتى يطير فقد دنا عطبه
وكان الرشيد كثير ما يتمثل به عند نكبة البرامكة. وقولهم:
[إذا امتلأت القربة ترشحت.]
يضرب للرجل تكثر ذات يده، فلا بد أنَّ ينال شيء مما عنده. وقول أبي محمّد: أنا عربيد، وأنت رعديد، وبيننا بونٌ بعيد. والعربدة: سوء الخلق؛ والعربيد والمعربد: الموذي نديمة عند السكر. والرعديد، الجبان الفزاع. والبون: الفضل والمقدار. وقولهم: إنَّ لم تجدوا ناراً فاقلوا قلية! يضرب لمن استحمق فطلب أمراً حيت المظنة عدمه. وقولهم: الآن يمد أبو حنيفة رجله! زعموا إنَّ الأمام أبا حنيفة، رحمه الله، كان به ذات مرة ألم في رجله، فكان يمدها في المجلس بين يدي أصحابه. ثم إنّه يوماً حضر مجلسه رجل ذو هيئة كث اللحية لا يعرفه، فتوهمه فقيها وقبض رجله استحياء وصبر على ذلك مدة، والرجل لا يتكلم بشيء فبان له منه خلاف الظن، فمد رجله وقال ذلك.
هذا ما تيسر إيراده في هذا الباب من منثور الأمثال، بحمد ذي المن والافضال. وقد كنت أردت إنَّ أقتبس الأمثال المضروبة في الشعر وأجلبها، وأودع كل باب من هذا الكتاب جملة وافرة منها، مشروحة مع التنبيه على شجرتها، واصل ثمرتها. ثم بدا لي أنَّ ذلك بحر لا يدرك غوره، ومنزع لا ينال طوره. فرأيت أنَّ اقتصر على إيراد الأمثال النثرية، وإردافها بالأمثال الشعرية، متضمنة لمّا ضرب فيها إلاّ أنَّ يكون شيء قد انتزع قبل فأذكره. ورأيت