اذهب إلى فلان في بلد تانوريت وهو بلد بني سمائل وقل له يأتيني لأصلي معه الصبح الآن، وبينهما مسيرة يومين، وقد قرب طلوع الفجر! قال. قلت في نفسي: كيف يمكن هذا؟ ثم تذكرت أحواله، فمشيت وتبعني ووادعني ورجع. فمشيت قليلا وأدركني شبه السنة، فما شعرت إلاّ وأنا أعاين مسجد تانوريت. فخرج إلي منه رجل فقال: بعثك إلي شيخ أبو مهدي؟ فقلت له نعم: وامرني أن أعلمك أن تصلي معه بمسجده الآن صلاة الصبح. فقال لي: تقدم! ودار حول المسجد، وغاب عني، وانقلبت راجعا. فأصابني أيضاً شبه السنة، فإذا أنا على قرب من مسجد أبي مهدي. فدخلت المسجد، فوجدت أبا مهدي وصاحبه يتحدثان وقد صليا صلاة الصبح. فصليت وظننت أني قد لحقت بالشيخ فأتيته. فقال لي: يا بني! أرأيت بعض ما يرى الرجال؟ فقلت له: يا سيدي، عسى أنَّ أصحبك في مسيرك إذ سرت طار الطائر الصغير قبل استكمال نبات ريشه مع الطائر الوافر الريش، فإنما يسير ميلين ويسقط في القفر، فيلتقطه الرعيان. وإنَّ جاء الرجال ليصلون إلى موضع لو طار الطائر إلى إنَّ يسقط ريشه وينبت آخر فطار حتى يسقط فينبت آخر، فطار حتى يسقط فينبت آخر، وما وصل موصل عباد الله الصالحين في طرفة عين.
[أحزم من قرلى.]
ويقال أيضاً: أحذر من قرلى؛ ويقال أيضاً: احزم أو أحذر من قرلى، إنَّ رأى خيرا تدلى، وإنَّ رأى شراً تولى أو تعلى.
الحزم تقدم، وكذا الحذر. والقرلى بكسر القاف والراء، وبعد اللام ألف مقصورة، ويحكى أيضاً في القاف التثليث، طائر شديد الحذر، ولا يرى إلاّ على وجه الماء على جانب يهوي بإحدى عينيه إلى الماء طعماً ويرفع الأخرى حذراً. فإنَّ رأى في الماء ما يصاد من السمك، أنقض عليه انقضاض السهم؛ وإنَّ رأى جارحا ذهب. ومن ثم: يقال: إنَّ رأى خيراً تدلى أي إلى الماء، وإنَّ رأى شرا أي ما يخافه تولى فراراً منه. وقيل: إنَّ قرلى في هذا المثل رجل من العرب كان لا يفوته طعام أحد، فحيثما كان الطعام