وقد اكثر الحكماء من هذا النمط نثراً وشعراً، وفيما ذكرناه كفاية إنَّ شاء الله تعالى.
[بطني وعطري، وسائري ذري!]
البطن: خلاف الظهر، وهو مذكر، جمعه أبطن، وبطون، وبطنان؛ ويقال أيضاً لمّا دون القبيلة من الناس بطن كما قيل:
وإنَّ كلابا هذه عشر أبطن ... وأنت بريء من قبائلها العشر
والمراد هنا الأول: والعطر، بكسر العين: الطيب. ويقال: منه عطرت المرأة، بالكسر، فهي عطرة؛ ويقال عطرت الرجل تعطيرا: طيبته والسائر: الباقي، وهو من السؤر، وهو البقية مهموز. يقال: أسأر الشيء وسأره إذا أبقاه، فهو سئار، وقياسه مسئر، وهو جائز أيضاً. وذهب كثير من الناس إلى أنَّ السائر يكون أيضاً بمعنى الجميع، وأنكره آخرون: وذري معناه اتركي يقال: ذره أي أتركه. وأصل الماضي منه. وذره بالكسر يذره كوسعه يسع، لكن لم يستعمل منه ماضٍ ولا مصدر. وأصل المثل أنَّ أعرابياً ضاف قوما، فأمروه جارية لهم أن تطيبه فقال: بطني عطري، وسائري ذري! ومعناه ظاهر. وإضافة التعطير إلى البطن في نحو هذا يكون من المشاكلة، وهي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته، كقوله:
قالوا: أقترح شيئاً نجد لك طبخه ... فقلت: اطبخوا أي جبة وقميصا!
أراد أنَّ يقول: خيطوا لي جبة! فقال: اطبخوا! لصحبته للطبخ تحقيقاً. وكقوله تعالى:) وجزاء سيئةٍ سيئة مثلها (، وقوله تعالى:) فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم (. أطلقت السيئة والاعتداء على جزاء السيئة وجزاء الاعتداء عدلا لأجل المصاحبة، وإنَّ لم يكن الجزاء سيئة ولا اعتداء. وقوله تعالى:) تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك (. وهو كثير. وكقول أبن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحد علينا، ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
وقد يتقدم المشاكل فتراعى صحبة المتأخر، كقول أبي تمام:
من مبلغ أفناء يعرب كلها ... إني ابتنيت الجار قبل المنزل؟
والافناء بالفاء: جماعة من الناس. ومن هذا أيضاً عند بعضهم قولهم:
لا تسقني ماء الملام فإنني ... صب قد استعذبت ماء بكائي