صفدا من أبن أخته! وحملاه معهما حتى بلغاه جذيمة. فسر به سروراً شديداً وصرفه إلى أمه وقال: تمنيا علي! فقلا: منادمتك، ما بقيت وما بقينا. فنادمهما. ويقال انهما أقاما في منادمه أربعين سنة يحدثانه، فما أعادا عليه حديثا. وهما ندما جذيمة المشهوران المضروب بهما المثل في شدة الألفة والمصاحبة، في قول أبي خراش:
تقول: أراه بعد عروة لا هيا ... وذلك زرء لو علمت جليل
فلا تحسبني أنَّ قد تناسيت عهده ولكن صبري يا أميم جميل
ألم تعلمي أنَّ قد تفرق قبلنا ... نديما صفاء: مالك وعقيل؟
وفي قول متمم بن نويرة يرثي أخاه مالكا:
وكنا كندماني جذيمة حقبه ... من الدهر حتى قيل: لن يتصدعا
فلما تفرقا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا!
وفي قول بعض المحدثين:
نحن كنا في التصافي ... مثل ندماني جذيمه
فأتى الصرم بيوم ... دونه يوم حليمه
تقدح الأيام حتى ... في المودات القديمه
وكان قبل ذلك جذيمة لا ينادم أحدا، زهوا وكبرا، ويقول: هو أعظم من أن ينادم إلاّ الفرقدين! فكان يشرب كأسا ويريق للفرقدين كأسا. ثم إنَّ رقاش أخذت ابنها عمرا وأدخلته الحمام. فلما خرج ألبسته من فاخر الثياب وجعلت في عنقه طوقا من ذهب كان له، وأمرته بزيارة خاله. فلما رأى جذيمة لحيته، والطوق في عنقه، قال: شب عمرو عن الطوق! وقيل إنّها لمّا أرادت أنَّ تعيد الطوق عن عنقه قال لها جذيمة: كبر عمرو عن الطوق! فذهبت مثلا يضرب للابس ما دون قدره.
[أشبه من الغراب بالغراب.]
أشبه بالكسر والشبه بفتحتين، والشبيه: المثل، وجمعه اشباه؛ وشابهه، وأشبهه: ماثله؛ واشتبها وتشابها: تماثلا؛ وشبهته إياه وبه تشبيها مثله؛ والغراب تقدم. ولمّا كانت الغرابان غالبا على صفة واحدة